آمال العلماء في خدمة العلم (2)
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
18/01/2025 القراءات: 62
-وقال ابنُ خلكان (ت: 681هـ) في آخر كتابه «وفيات الأعيان»:
«قد أتيتُ في هذا المختصر بالقدر الممكن مِن ضيق الأوقات، وتركتُ في هذا الباب الذي هو حرف الياء تراجمَ كثيرةً كان عزمي أنْ أذكرها فما اتسع الوقتُ لإثباتها، فأخرتُها مع مسوداتٍ أخر كثيرة أعددتُها لكتابٍ آخر مطول، أجمعُه على هذا الأسلوب - إن فسح الله في الأجل، ووفق للعمل - يكون محتويًا على فوائد جمّة يحتاج إليها مَن يعتني بهذا الفنِّ، ويستغني مَن يطالعه عن مراجعة كتب كثيرة، فإني انتقيتُ هذه المسودات مِن أمهات التواريخ وأخبار الناس المتقدمين والمتأخرين، وفيما يغلبُ على ظني لم أتركْ شيئًا من الكتب التي في أيدي الناس، المشهورة والخاملة، المبسوطة والوجيزة، إلا اخترتُ منه ما يدخلُ في هذا الكتاب، وفي عزمي بعونه عز وجل ومشيئته أن يكون أكثر من عشرة أسفار، والله عز وجل المسؤول في الإعانة عليه، والإرشاد إليه، بحوله وقوته، إنْ شاء الله تعالى، والله عز وجل أعلمُ بالصواب، وإليه المرجع المآب، وكان آخر تحرير هذا المجلد في سنة تسع وخمسين وست مئة» .
***
-وقد قال الإمامُ محمد ابن الإمام الشهيد أحمد ابن جُزَي الكلبي الغرناطي (ت: 741هـ) دفين مدينة "فاس":
«لكلِّ بني الدنيا مرادٌ ومقصدٌ … وإنّ مرادي صحةٌ وفراغُ
لأبلغَ في علم الشريعة مبلغًا … يكون به لي في الجنان بلاغُ
ففي مثل هذا فليُنافس أولو النُّهى … وحسبي من الدنيا الغَرور بلاغُ
فما الفوزُ إلا في نعيمٍ مؤبّدٍ … به العيشُ رغدٌ والشرابُ يساغُ» .
***
-وقال يوسفُ بن تغري بردي الظاهري الحنفي (ت: 874هـ) في ترجمة المقريزي (ت: 845هـ):
«وله: تاريخه الكبير "المُقفى في تراجم أهل مصر والواردين إليها"، ذكرَ لي -رحمه الله- قال: لو كمل هذا التاريخ على ما أختارُه لجاوز الثمانين مجلدًا» .
***
-وذكر الفيروزابادي (ت: 817هـ) في إجازةٍ كتبَها لبعض أصحابه مؤلفات كثيرة له، منها:
«كتاب اللامع المُعلم العُجاب، الجامع بين المُحكم والعُباب، وزيادات امتلأ بها الوطاب، واعتلى منها الخطاب، ففاق كلَّ مؤلَّفٍ هذا الكتاب" وقال: "يُقدر تمامُه في مئة مجلد، كل مجلد يقربُ من صحاح الجوهري في المقدار» .
***
-وكانت للإمام المؤرخ الحافظ محمد بن عبدالرحمن السخاوي (ت: 902هـ) آمال كبيرة في خدمة العلم، وقد توفي عن مشروعات كثيرة، ذكرتُها في الحلقة (46) من سلسلة رؤوس أقلام"، فلتنظر هناك.
***
-وقال السيوطي (ت: 911هـ) في كتابه «المزهر في علوم اللغة وأنواعها»:
«ومع كَثرةِ ما في القاموس من الجمع للنَّوادّ والشوارد فقد فاته أشياءُ ظفِرتُ بها في أثناء مطالعتي لكُتُب اللغة، حتى هَمَمْتُ أن أجْمَعَها في جُزءِ مُذَيِّلًا عليه» .
وقال في كتابه "قطف الأزهار في كشف الأسرار": "وأرجو إن شاء الله تعالى -إنْ تم هذا الكتاب، وكان في الأجل فسحةٌ- أن أضع كتابًا في توافق السُّنة والقرآن أذكرُ فيه كل حديثٍ في القرآن معناه، أو إشارة إليه، تحقيقًا لقول الشافعي رضي الله عنه: كل ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن. حقَّق الله تعالى ذلك بمنِّه وكرمه" .
وقال الحافظ شمس الدين الداودي (ت: 945هـ) تلميذ السيوطي رحمهما الله تعالى في آخر «طبقات المفسرين" للسيوطي: «انتهى ما وُجِدَ مِن خطِّ مؤلِّفه، علّقتُ ذلك مِن مسودة في أوراق لم يتمها شيخنا، وكان عزمه أن يكون مؤلفًا حافلًا، فلله الحمد والمنة سبحانه» . -أي على تبييضه-.
وقال الداودي أيضًا في آخر نسخة مِن كتاب «اللمع في أسباب ورود الحديث» للسيوطي:
«آخر ما وُجِدَ بخطِّ المؤلِّف رحمه الله، وكان في عزمه أن يأتي مصنَّفًا حافلًا، ولكن اخترمته المنية، ولا حول ولا قوة إلا بالله» .
والكتب التي بدأها ولم يتمها كثيرة، وكنتُ استخرجتُها فزادتْ على الثلاثين، فرحمه الله كم كانت آماله في خدمة العلم كبيرة!
***
-وذكر مؤرخ حلب الشيخ محمد راغب الطباخ (ت: 1370هـ) في آخر كتابه "إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء" أمنيتين فقال:
"ومِنْ أمانينا وضعُ كتابٍ يُذكرُ فيه أعمالُ الشهباء من البلاد والقرى، وما هناك من الآثار القديمة وبقاياها، ويُؤخذُ ذلك بالمصوِّر الشمسي، مع الكلام على أحوالها الماضية والحاضرة. وقد قلتُ في المقدمة: إنّ هذا عملٌ عظيمٌ لا يُمكن للشخص الواحد أن يقوم به، ويَحتاج إلى نفقاتٍ طائلةٍ لا يقومُ بها إلا الحكومة، فعسى أنْ تنهضَ لتأليف لجنةٍ لهذه الغاية، وترصد لها ما يلزم من النفقات، فتكون بذلك قد أحسنتْ صنعًا، وبهذا تتم حلقاتُ تاريخ هذه الديار، ويُعلم ما فيها من قديم الآثار.
وليكون مَنْ تصحُّ عزيمتُه بعدنا للزيادة على ما دوَّناه، أو التذييل عليه، على بصيرة من أمره أحببتُ أنْ أذكرَ هنا ما تصفحتُه من الكتب التاريخية، والأدبية، والمجاميع، التي نقلتُ عنها ليتطلب غيرَها ويستحصلَ على سواها، فعندئذ يرى ضالتَه، وينال بغيتَه" .
***
-وقال الشيخ عبدالله الغُماري الطنجي (ت: 1413هـ) بعد أن ذكر مؤلفاته وتعليقاته على الكتب، في ترجمته لنفسه: "ونسألُ الله المزيد من فضله" .
***
-وآخر ما شرَع الشيخُ عبدالله سراج الدين (ت: 1422هـ - 2002م) رحمه الله تعالى بتأليفه: "شرح أسماء الله الحسنى"، وتُوفي ولم يتم . وإنا لله وإنا إليه راجعون.
***
وأقول لكل مَن شرع في تأليفٍ أو عملٍ نافع: بادرْ وأنجزْ عملك، واسأل اللهَ تعالى أنْ يحقِّق أملك.
منوعات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة