مدونة عبدالحكيم الأنيس


نَور الحديقة ونُور الطريقة للسيوطي

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


18/02/2025 القراءات: 26  


هذا جزء لطيف من شعر الإمام السيوطي، جمعه بنفسه في وقت مبكر، وقد قرئ عليه في رحلته إلى دمياط والإسكندريةِ وأعمالها في رجب سنة (870)، كما قال تلميذه الداودي في كتابه "ترجمة العلامة السيوطي"، وكان في الحادية والعشرين من العمر.
أنشره عن نسخة وحيدة، وذلك لأول مرة.
قال رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
أمّا بعد حمد الله الذي لا يَشعر بكنهِ ذاتهِ شاعر، والصلاةِ والسلامِ على مَنْ تشرفتْ به المواقفُ والمشاعر، فهذه مقاطيعُ وأبياتٌ التقطتُها مِنْ ديواني الذي سمَّيتُه: "حديقة الأديب وطريقة الأريب"، ممّا أبدَته فكرتي، وأهدَته فكرتي، وسمَّيتُه: "نَور الحديقة ونُور الطريقة".
***
قلتُ في معنى ذلك : [مجزوء الخفيف]
إنْ ترجّيتَ رحمةً ... كلُّ نُعمى بها تَتِمْ
فارحم الخلقَ إنما ... يرحمُ اللهُ مَنْ رَحِمْ
***
وقلتُ : [الطويل]
روينا وصايا عن هداةٍ كثيرةٍ ... تضوعُ إذا استعملتَها ضوعَ عَنْبَرِ
وما الوعظُ مِنْ كل الخلائق نافعًا ... ولكنَّ ما ترويه مِنْ ذاك عن بَرِ
***
وقلتُ: [المجتث]
إنَّ ابنَ إدريسَ حقًا ... بالعلمِ أَوْلى وأَحْرى
لأنه مِنْ قريشٍ ... وصاحبُ البيتِ أدرى
***
وقلتُ في النيل: [السريع]
النيلُ لمّا أنْ علا موجُهُ ... وحُفَّ بالنخلِ لذي المنظرِ
كفروةِ السمُّور إذ رُكِّبتْ ... في مقعدٍ مِنْ سندسٍ أخضـرِ
***
وقلتُ في الموج: [المجتث]
كأنما الموجُ لمّا ... يبدو برفعٍ وخفضِ
كثبانُ رملٍ أُهِيلتْ ... على مُسطَّحِ أرضِ
***
وقلتُ في تفضيل الشتاء على الصيف: [الخفيف]
يا مَنْ لديه الصيفُ ذو رفعةٍ ... على الشتا ما أنتَ لي مِنْ صديقْ
أمَا ترى تصحيفَ هذا: سنا ... والصيفُ إنْ صحفتَه فهْوَ ضيقْ!
***
وقلتُ فيه أيضًا: [السريع]
إنَّ الشتا خيرُ زمانٍ يُرى ... لكل حبٍّ هو ذو همّهْ
وهو ربيعُ المؤمنِ المُرتضـى ... عند رسول الله ذي الحكمهْ
***
وقلتُ: [الكامل]
إنَّ القضاة بمكةٍ لثلاثةٌ ... طبْقٌ لما قد جاء في الأخبارِ
شيخ المقام وقد غدا في جنةٍ ... والقاضيان كلاهما في النارِ
هذا لحُسن صفاتهِ وسلامةٍ ... في صدرهِ ومحاسن الآثارِ
وهما بقبح فعالهِم وبحقدِهم ... وأذاهمُ والميلِ للأشرارِ
***
وقلتُ وأنا قافلٌ من الحج بـ (الوجه): [السريع]
جئتُ إلى الوجه فألفيتُه ... جم الحيا والبشـرُ في بكرَهْ
فأثلجَ الصدرَ نداهُ وقد ... أزال عني اللهُ ما أكرَهْ
***
وقلتُ في (الأزلام): [السريع]
لقيتُ بالأزلامِ ماءً حوى ... قبحًا عن الإحصاء قد أعجزا
فصنتُ ماءَ الوجه عن بذلهِ ... وحقُّ ماءِ الوجه أنْ يُحْرزا
***
وقلتُ: [مجزوء الرمل]
قلتُ لمّا أرقتْ عينـ ... ـي وطالَ الليلُ: نامي
كي تري في الحلم بدرًا ... حبُّهُ في القلب نامي
***
وقلتُ في الشيخ العلامة الصالح المسلِّك كمال الدين [بن] إمام الكاملية لما قرأتُ عليه كتابَه في ذمِّ ابن عربي: [من المتقارب]
كلامُ الكمال كمالُ الكلام ... وأبهى من الدُّر جوف الصدَفْ
به فاصد عن كل مَنْ صدَّ عن ... طريق الهُداة ومَنْ قد صدَفْ
***
وقلتُ: [مجزوء الكامل]
إنَّ الأعاجمَ ذو سفَهْ ... لا تحمدوا منهمْ صِفَهْ
علم الشـريعة قد رموا ... وأتوا علومَ الفلسفَهْ
***
وقلتُ وهو تشبيهٌ بديعٌ لم أُسبق إليه: [الكامل]
البحثُ إنْ يبدو ويجلو قصدُهُ ... كالبدرِ لم يُرَ حاجبٌ مِنْ دونهِ
والبحثُ في بدءِ التأمُّل ما انجلا ... كالبدرِ يُشـرقُ مِنْ خلالِ غُصونهِ
***
وقلتُ: [مجزوء الخفيف]
إنْ يلمْ كلُّ جاهلٍ ... حاسدٍ جائرٍ عتي
فهْو لا شكَّ شاهدٌ ... ودليلٌ برفعتي
***
وقلتُ وإذا قرأهما الألثغ لا يُعاب: [السريع]
مَنْ يحزْ الفضل فأصحابُه ... ألسنُها بمدحهِ سائرهْ (سائغهْ)
ومَنْ يضعْ نظمًا فأعداؤُه ... للقدح في مقصودهِ صائرهْ (صائغهْ)
***
وقلتُ: [مجزوء الخفيف]
قد روينا معنعنًا ... شا كل من نبهْ [كذا]
ارحموا عالمًا يُرى ... تلعبُ الجاهلون بِهْ
***
وقلتُ: [السريع]
إيّاك ما يؤلمُ قلبَ الورى ... من الأذى البارزِ والكامنِ
مَن كان لا يغتبُ في ظاهرٍ ... فإنه يغتبُ في الباطنِ
***
وقلتُ: [السريع]
قال الإمامُ الشافعيُّ الرِّضى ... قولًا يفوقُ الزَّهر والزُّهرهْ
الأشقر الزرقاء عيناه ما ... فيه من الخيراتِ مِنْ ذرَّهْ
***
وقلتُ: [السريع]
الناسُ إنْ ودّوا وإنْ أخلصوا ... فَرْضًا فما وُدّهم بالمُقيمْ
ولا تَرى منهم أخا نجدةٍ ... ذلك تقديرُ العزيزِ العليمْ
***
وقلتُ: [مجزوء الرجز]
رنا فسلَّ مرهفًا ... وسلَّ قلبي أورثا
لا أنسه أو جادَ لي ... بالأنسِ يومًا أو رثا
***
وقلتُ: [المجتث]
وربَّ هيفاءَ قالتْ ... وهْيَ ارتياحي ورَوحي
قل: ما فدائي وإلا ... أروحُ ناديتُ: رُوحي
***
وقلتُ: [السريع]
للهِ أيامُ النقا في النَّقا ... إذ نسمت ريحُ الصَّبا في الصَّباحْ
وقتٌ بدا زهرُ التداني به ... سلمتُ فيه مِنْ عذولٍ ولاحْ
***
وقلتُ: [البسيط]
إني عزمتُ وما عزمٌ بمنجزمٍ ... ما لم يساعدْه تقديرٌ من الباري
أنْ لا أصاحب إلا مَنْ خبرتُهُمُ ... دهرًا مقيمًا وأزمانًا بأسفارِ
ولا أجالسُ إلا عالمًا فطنًا ... أو صالحًا أو صديقًا لا بإكثارِ
ولا أسائلُ شخصًا حاجةً أبدًا ... إلا استعارةَ أجزاءٍ وأسفارِ
ولا أذيعُ ولا للعالمِ الفطنِ الـ ... ـصديقِ ما يحتوي مكنونُ أسراري
ولا أصاحبُ عاميًا ولو شهدوا ... بأنه صالحٌ معدومُ أنظارِ
ولستُ أحدِثُ فعلًا غير مفترضٍ ... أو مستحبٍّ ولم يَدخلْ بإنكارِ
ما لم أقمْ مُستخيرَ الله مُتكلًا ... وتابعًا ما أتى فيها منَ اثارِ
***
وقلتُ في (المنصرف) وأنا قافلٌ من الحج: [الرجز؟]
لا يطعمن النار الذي خُلقُهُ [كذا]... أو خَلْقُهُ صوَّره اللهُ حسنْ
كذا رواه الطبرانيُّ أبو الـ ... قاسم وهْو مِن أحاسن المِننْ
***
وقلتُ: [الوافر]
لقينا شدةً لمّا مررنا ... بمنصـرفٍ أشدَّ من الغليلِ
فوا حربًا لِما لاقيتُ منهُ ... ووا عجبًا لمنصـرفٍ ثقيلِ
***
آخره ولله الحمد والمنة.


شعر. السيوطي. طريق الحج. الاقتباس


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع