رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (240)
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
17/12/2024 القراءات: 329
-ما فيه لا:
ربّاه جئتُك راجيًا متأمِّلا ... ووقفتُ عندَك داعيًا متذلِّلا
في كل بابٍ قصةٌ وحكايةٌ ... لكنَّ بابَك وحدَهُ ما فيه: لا
السبت (13) مِن جُمادى الآخرة (1446) = (14/ 12 / 2024م).
***
-كلمة في المواهب:
قال محققُ "الإحكامُ في تمييز الفتاوى عن الأحكام للقرافي" (ص: 290):
"وكم في الزوايا من خبايا، وحقائق مدهشات كالمرايا! وكم لنوابغ الأفراد في العالم من مزايا خاصة في إتقان: الرماية، أو اللغات، أو الصناعة اليدوية، أو المهارة الجسمية، أو الفطانة الفذة العقلية، أو العبقرية الحفظية: بالنظر أو بالسماع، أو القوة البصرية، أو القوة السمعية، أو سرعة العدْو القدَمية، وغيرها وغيرها، من مزايا النبوغ في الأفذاذ الأفراد في العالم، لا يحصيهم إلّا الله تعالى خالقهم ورازقهم سبحانه.
وأنا أشير إلى أسماء أفراد منهم على ترتيب ذكري المواهب هنا، في الأسطر التالية لتنوير الأذهان.
ففي الرماية: كالإمام الشافعي، والإمام البخاري، والشيخ أمين الحسيني مفتي فلسطين رحمه الله تعالى، فقد كان يكتب اسمه على الجدار بطلقات المسدس على أوضح وجه، والشيخ عبدالرحمن زين العابدين.
وكالفارابي في معرفة اللغات.
وكالإمام القرافي والخياط في الصناعة اليدوية.
وكالمشَّاءِ على الحبل المنصوب في الهواء في المهارة الجسمية، المذكوريْن بقصتيهما في مقدمتي لكتابي صفحات من صبر العلماء.
وكالخليل بن أحمد الفراهيدي وتلميذه سيبويه وخلقٍ سواهما في الفطانة العقلية.
وكأبي يوسف القاضي تلميذ الإمام أبي حنيفة، والإمام البخاري، والدارقطني، والحاكم النيسابوري، وبديع الزمان الهمذاني، وخلقٍ سواهم في العبقرية الحِفظية.
وكزرقاء اليمامة في القوة البصرية.
وكإبراهيم النّظّام في القوة السمعية.
وكالصحابي الجليل كعب بن مالك، وآخَرين من العدائين العرب في الجاهلية والإسلام في سرعة العَدْوِ القَدَمية إذ يسبقون عدْو الفرَس، والله يختص بفضله من عباده من يشاء، ويودع فيهم من الإبداع ما يشاء.
ولما أخبرتُ شيخنا الأستاذ الزرقا رعاه الله تعالى، بمهارة الشيخ عبدالرحمن في رميه الفرنك عن رأس أخيه بالبندقية، ومهارة الشيخ الحاج أمين الحسيني رحمهما الله تعالى، تعجب جدًّا، وأخبرني بأعجب وأغرب!
ومن العلماء الأعلام الذين لهم مهارات خارقة، إلى جانب إمامتهم في العلم والدين: العلامة الفقيه الحنفي الضليع، الشيخ محمود حمزة الدمشقي نقيب الأشراف ومفتي الشام، المولود سنة ١٢٢٦، والمتوفى سنة ١٣٠٥ رحمه الله تعالى، فإنه كان إلى إمامته في العلم خطاطًا ماهرًا دقيقًا متقنًا عجَبًا، كَتبَ في سنة ١٣٢٧ أسماء أهل بدر البالغة ٣١٩ اسم في ورقة على قدر فص الخاتم، وكَتبَ في سنة ١٢٦٨ سورةَ الفاتحة، على ثلثي حبة أرز، وكَتبَ عليها اسمه وتاريخ الكتابة، كما في ترجمته الحافلة في "الرحلة الحجازية" للشيخ العلامة محمد السنوسي، المتوفى سنة ١٣١٨ رحمه الله تعالى".
***
-الغزالي بين العزلة والخروج منها:
قال السيوطي في كتابه "التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مئة" (ص: 66 - 68):
"قد ادَّعى الغزاليُّ نفسُه أنَّهُ المبعوثُ على رأسِ المئةِ الخامسةِ فقال في كتابِه «الـمُنقِذ من الضلال والـمُفصِح عن الأحوال» [ص: 117-126، وفي النقل اختصارٌ]:
"القولُ في سبب معاودة نشرِ العِلْمِ بعد الإعراض عنه:
وذلك أني رأيتُ أصنافَ الخَلْقِ قد ضَعُفَ إيمانُهم، ورأيتُ نفسي مليًّا بكشف الشُّبه، حتى كان إفحامُ هؤلاء أيسرَ عندي من شربةِ ماء؛ لكَثرةِ خوضي في العلوم، فانقدحَ في نفسي أنَّ ذلكَ مُتعيِّنٌ في هذا الوقت مَحتوٌم، فما تغنيك الخَلوةُ والعُزلةُ، وقد عمَّ الداءُ، ومَرِضَ الأطبَّاءُ، وأشرفَ الخلْقُ على الهلاكِ!
ثُـمَّ قلتُ في نفسي: ومتى تَستقِلُّ أنتَ بكشفِ هذه الغُمَّةِ؟
ولو اشتغلتَ بدعوة الخلْق عن طرقهم إلى الحقِّ لعاداكَ أهلُ الزمانِ بأجمعهم، وأنَّى تُقاوِمُهم، وكيف تُقاسِيهم، ولا يتمُّ ذلكَ إلا بزمانٍ مُساعِدٍ وسُلطانٍ مُتديِّنٍ قاهِرٍ.
فترخصتُ بيني وبين الله تعالى بالاستمرار على العزلة تَعلُّلًا بالعجزِ عن إظهارِ الحقِّ بالحُجَّةِ.
فقدَّرَ اللهُ سبحانهُ وتعالى أنْ حرَّكَ داعيةَ سلطانِ الوقتِ في نفسهِ، لا بتحريكٍ من خارج، فأمرَ بإلزامي بذلك، فخطرَ لي أنَّ سبب الرخصة قد ضعف، فلا ينبغي أن يكون باعثك على مُلازمةِ العُزلة الكسلَ والاستراحةَ وطلبَ عزِّ النفس وصونـَها عن أذى الخلق، ولم ترخص نفسك بعسر معاناة الخلق واللهُ تعالى يقول: (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم) الآية ، ويقولُ عزَّ وجلَّ لرَسولهِ وهو أعزُّ خلْقِه: (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين) الآية ، ويقول عزَّ وجلَّ: (يس والقرآن الحكيم) إلى قَولِه: (إنما تنذر من اتبع الذكر) الآية، فشاورتُ في ذلكَ جماعةً مِن أربابِ القلوبِ والمشاهداتِ، فاتَّفقُوا على الإشارةِ بتَركِ العُزلةِ والخُروجِ من الزاويةِ، وانضافَ إلى ذلك مناماتٌ من الصالحينَ كثيرةٌ مُتواترةٌ، تشهد بأنَّ هذه الحركة مبدأ خيرٍ ورُشدٍ قدَّرهُ اللهُ سبحانه وتعالى على رأسِ هذه المئةِ، وقد وعدَ اللهُ سبحانه وتعالى بإحياءِ دِينِه على رأس كل مئة، فاستحكمَ الرَّجاءُ، وغلَبَ حُسنُ الظنِّ بسبب هذه الشهادات، ويسَّرَ اللهُ تعالى الحركةَ للقيامِ بهذا المهمِّ في ذي القعدة سنةَ تسعٍ وتسعين وأربع مئة، وكان بدءُ العُزلةِ في ذي القعدة سنةَ ثمانٍ وثمانينَ، وبلغتْ هذه العُزلةُ إحدى عشر سنة، وهذه حركةٌ قدَّرها اللهُ سبحانه وتعالى، وهي من عجائب تقديراته. انتهى كلامُ الغزالي بلفظِه".
***
-في جامع الخلفاء:
في مكتبة جستربتي في دبلن مجلدان من "تاريخ مدينة السلام" -بغداد- للخطيب البغدادي، في المجلد الثاني منهما سماعٌ لابن الجوزي من الشيخ أبي منصور القزاز، بقراءة احافظ أبي الفضل ابن ناصر السلامي، سنة (533)، بجامع القصر (الخلفاء اليوم). وكان عمر ابن الجوزي آنذاك (23) سنة.
***
منوعات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة