مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (265)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


20/01/2025 القراءات: 6  


-عظة وعبرة من «المواعظ والاعتبار»:
قال المقريزي في مقدمة كتابه هذا -وفيما قال عبرٌ وعظاتٌ، وكلماتٌ مسلياتٌ، لا سيما كلام الختام-:
«... فلهذا سمَّيتُه: (كتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار)، وإني لأرجو أن يحظى إنْ شاء الله تعالى عند الملوك، ولا تنبو عنه طباعُ العاميّ والصعلوك، ويجله العالم المنتهي، ويعجب به الطالب المبتدي، وترضاه خلائقُ العابد الناسك، ولا يمجه سمعُ الخليع الفاتك، ويتخذه أهلُ البطالة والرفاهية سمرًا، ويعدّه أولو الرأي والتدبير موعظة وعبرًا، يستدلون به على عظيم قدرة الله تعالى في تبديل الأبدال، ويعرفون به عجائب صنع ربنا سبحانه مِن تنقل الأمور إلى حال بعد حال.
فإن كنتُ أحسنتُ فيما جمعتُ، وأصبتُ في الذي صنعتُ ووضعتُ، فذلك من عميم منن الله تعالى وجزيل فضله، وعظيم أنعمه عليَّ وجليل طوله.
وإنْ أنا أسأتُ فيما فعلتُ وأخطأتُ إذ وضعتُ، فما أجدر الإنسان بالإساءة والعيوب، إذا لم يعصمه ويحفظه علام الغيوب!
وما أبرّئ نفسي إنني بشرٌ … أسهو وأخطىء ما لم يحمني قدَرُ
ولا ترى عذرًا أولى بذي زللٍ … مِن أن يقول مقرًّا إنني بشَرُ
فليسبل الناظرُ في هذا التأليف على مؤلفه ذيل ستره إنْ مرّت به هفوة، وليغض تجاوزًا وصفحًا إنْ وقف منه على كبوة أو نبوة، فأيّ جواد وإنْ عنق ما يكبو، وأيّ عضب مهند لا يكلُّ ولا ينبو؟
لا سيما والخاطر بالأفكار مشغول، والعزم لالتواء الأمور وتعسُّرها فاتر محلول، والذهن مِن خطوب هذا الزمنِ القطوبِ كليل، والقلب لتوالي المحن وتواتر الإحن عليل:
يعاندني دهري كأني عدوُّه … وفي كل يومٍ بالكريهة يلقاني
فإنْ رمتُ شيئًا جاءني منه ضدُّه … وإنْ راق لي يومًا تكدّرَ في الثاني
اللهمّ غفرًا ما هذا من التبرّم بالقضاء، ولا التضجّر بالمقدور، بل إنه سقيم ونفثة مصدور يستروحُ إن أبدى التوجع والأنين، ويجد خفًّا مِن ثقله إذا باح بالشكوى والحنين:
ولو نظروا بين الجوانح والحشا … رأوا من كتاب الحُب في كبدي سطرا
ولو جرّبوا ما قد لقيتُ من الهوى … إذن عذروني أو جعلتُ لهم عذرا
واللهَ أسأل أنْ يحلي هذا الكتاب بالقبول عند الجلة والعلماء، كما أعوذ به من تطرّق أيدي الحساد إليه والجهلاء، وأنْ يهديني فيه وفيما سواه من الأقوال والأفعال إلى سواء السبيل، إنه حسبنا ونعم الوكيل.
وفيه -جلّت قدرته- لي سلوٌّ من كل حادث، وعليه عز وجل أتكلُ في جميع الحوادث، لا إله إلا هو ولا معبود سواه».
***
-"الفلسفة: مدخل حديث":
هذا تعريفٌ بكتاب للدكتور عزمي طه السيد، الأستاذ في جامعة آل البيت، كتبه السيد إبراهيم العجلوني، ونشره في جريدة "الرأي" يوم الأحد (7/ 3/ 2004م)، وقد استخرجتُه من أوراق زيارتي لي للأردن سنة (2004م):
"قرأت کتاب هنترمید: «الفلسفة: أنواعها ومشكلاتها" عام (1979م)، ثم قرأته مرة أخرى بعد سنوات من هذا التاريخ. وكان قد شدني أسلوب المؤلف، وبساطته، وحرصه على أن يفيد قراءه، فقلت حينها: ليتنا نظفر بأستاذ من هذا النوع، يضع الفلسفة ومباحثها بين أيدينا، ويجعلنا قادرين على أن نحيط بها على وجه الإجمال، وأن نتعرف إلى أسئلتها الأولى، وإلى بعض من إجاباتها.
فلما تكرم الأستاذ الدكتور عزمي طه السيد بإهدائي نسخة من كتابه: «الفلسفة: مدخل حديث"، وأتيح لي أن أقرأ فيه إلى أواخره أيقنتُ أنه إذا كان في بلادنا أساتذة يملكون أن يقدموا الفلسفة ببساطة واقتدار على نحو ما قدمها "هنترميد» في كتابه الفذ الذي تقدم ذكره فإن الدكتور عزمي طه السيد يأتي في المقدمة من هؤلاء، لما في كتابه مِن أصالة ذاتية وموضوعية ولما فيه [مِن] بسطٍ لقضايا الفلسفة وإحاطة بمشكلاتها ، ولما يسده من ثغرة يستشعرها طلاب الفلسفة لأول دخولهم حماها، أو بعد أن يتوغلوا رياضها وغياضها، على حد سواء.
ولعل مما يجدر ذكره، فضلًا عن هذه الأستاذية التي يتمتع بها المؤلفُ الكريمُ أنه يخوض مباحثه وهو مستمسكٌ بدينه وإيمانه، فهو مثال الفيلسوف المؤمن، وإن كان لا يتخذ منحى كلاميًّا صاخبًا، ويؤثر دون ذلك بيان وجهة نظره بهدوء وعقلانية، وبسعة وجدانية قلما نجدها في الباحثين المحدثين.
وقد جعل المؤلفُ الكريمُ كتابه في قسمين كبيرين كسرهما على فصول عدة، وكان أول هذين القسمين: "عن الفلسفة»، وكان ثانيهما: "في الفلسفة"، وقدَّم لهما بشرح موجز للأسلوب الذي يراه ناجعًا في تدريس الفلسفة، والذي خلاصتُه أننا "نعرض الفلسفة بصورة متدرجة حيث نحاول أن نقربها إلى القلب والعقل، وأن نجعلها أكثر إمتاعًا وإثارة للاهتمام الشخصي، وذلك من خلال رسم صورة لها تتناول أهم جوانبها، وبخاصة المرتبطة بالإنسان وحياته، ومن خلال المقارنة بينها وبين النظم المعرفية الكبرى الأخرى كالدين والعلم، وذلك كي تصبح صورتها واضحة متميزة في الذهن عن تلك النظم، فإذا انتهينا من الحديث عن الفلسفة انتقلنا إلى الحديث في الفلسفة، وذلك بتقديم عرضٍ موجزٍ لمباحث الفلسفة الرئيسة، ننقل القارئ فيها من شاطئ بحر الفلسفة إلى داخل هذا البحر، مبتعدين به عن الشاطئ بعض الشيء، بعد أن يكون قد استعد لذلك وتهيأ، حتى إذا انتهى من هذه المرحلة شعر بأنه قد أنجز شيئًا ما أحسَّ معه بلذة اكتساب معرفة جديدة وولوج آفاق جديدة فيها".
ويذكرنا المؤلفُ الكريمُ هنا بالكتاب العظيم: "قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن" للشيخ نديم الجسر، وما كان فيه من رحلة "حيران بن الأضعف" إلى "الشيخ الموزون"، بعد أن شقي حيران بخبرته المعرفية وشكوكه الفلسفية، ثم من قول الشيخ الموزون: "إن الفلسفة بحر لا كالبحور، على شواطئه تجد الهلاك، وفي أعماقه تجد النجاة". كما يوجه أنظارنا في الوقت نفسه إلى حقيقة أن المتمكنين من المعارف والعلوم هم وحدهم القادرون على بسطها بمثل هذا الوضوح، وإلى أننا في فقرٍ وانكشاف حال إلى مثل هؤلاء.
إنّ كتاب الاستاذ الدكتور عزمي: "الفلسفة: مَدْخل حديث" هو خير مدخل إلى عالم الفلسفة، يفيد منه الطالب المبتدئ، والباحث المحتنك في آن، وهو مثالٌ على الدرس الفلسفي، الذي كنا نبحث عنه في حياتنا التعليمية في الأردن ولا نقع عليه. وكم نحن سعداء بذلك. وكم نحن فخورون".


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع