مدونة عبدالحكيم الأنيس


مشروع كتاب للشيخ أحمد الراوي الرفاعي

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


22/02/2025 القراءات: 105  


هذه مقدمة كتابٍ بدأ به الشيخ أحمد الراوي المدرس الأول في مدرسة سامراء الدينية، مؤرخة بـ (23) صفر سنة (1369) = (14) من كانون الأول سنة (1949)، رأيتُ منه نحو (16) صفحة من القطع الكبير فقط، وكأنه لم يكمله:
(بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين، وصحابته الكرام أجمعين، ومن تبعهم إلى يوم الدين.
أمَّا بعد: فيقول الفقيرُ صاحبُ المساوي السيد أحمد محمد أمين الرفاعي الراوي:
حسب الأقدار سافرتُ في هذا العام إلى بعض ألوية العراق وأقمتُ به اثني عشر يومًا لأجل صلة رحم كان لي في ذلك اللواء، ولقضاء بعض الحوائج الدينية والدنيوية، ولم يكن في ذلك اللواء سوى المسجد الجامع الكبير الذي تُقام به الجمعة والجماعة، ولم ترَ عيني جامعًا في العراق يجتمع به لأداء الصلوات الخمس من المصلين بقدر هذا الجامع؛ لأنه يجتمع فيه في كلِّ وقتِ صلاةٍ ما يزيد على أربع مئة نسمة، وأمّا في يوم الجمعة فحدِّثْ ولا حرج، ففرحتُ بذلك فرحًا ولم أنقطع عن حضور الجماعة فيه إلا ما قلَّ وندر، ورأيتُ فيه إمامًا هو مدرس ذلك اللواء، وهو الخطيب والإمام في ذلك الجامع المفرد، وهو مِن أحب أحبابي، وكذلك إخوانه الكرام ووالده المرحوم، وبين عائلتنا وهذه العائلة صلةٌ قديمةٌ ومحبة وإخلاص، وهو والحقُّ يقال: من رجال العلم ومن أرباب التقوى والورع ومكارم الأخلاق، ساكن هيِّن ليِّن العريكة، وكنت أقضي أكثر أوقات إقامتي في ذلك اللواء معه في هذا المسجد الشريف وكنا نجلس معه في رحبة هذا الجامع من بعد صلاة العصر إلى الغروب نتذاكر العلم والأحاديث الشريفة وما يتعلق بذلك ويجتمع معنا بعض المحبين يستفيدون ويفرحون، وكثيرًا ما نجلس بعد صلاة العشاء في ذلك المحل إلى الساعة الثالثة أو الرابعة عربية.
وعلى هذا الترتيب قضيتُ هذه المدة معه ومع أمثاله، ويعلم الله أنه ينشرح صدري في هذا المجتمع الديني للصلوات الخمس الذي لم أشاهده في مسجد من مساجد العراق كما سبقتْ الإشارة إليه، ولكن يؤسفني أنَّ هذا الرجل الجليل بعد أنْ ينصرف من صلاة الفرض إن لم يكن لذلك الفرض سنة بعدية كصلاة العصر بمجرد فراغه من الفرض يحمل نعاله بيده ويقوم من موضعه الذي صلَّى فيه ولم يجلس لأداء التسبيح والتكبير كما هو شأن الأئمة في جميع أقطار المسلمين، وقد وردتْ به السنة السنية، وعليه العمل الآن وقبل الآن في عموم أقطار المسلمين، مع أنَّ الجماعة يتلهفون، وكلَّمْته بذلك أنْ يجلس في المحراب بعد الفراغ من الصلاة ويلتفت للجماعة جاعلًا يساره إلى القبلة ويمينه إلى الجماعة كما هي عادة الأئمة الشافعية، أو أنْ يجعل يمينه إلى القبلة ويساره إلى الجماعة كما عليه الأئمة الحنفية، فلم يلتفت لذلك، وعلاوة على ما هنالك لما ألححتُ عليه بالكلام أجاب أنَّ كلَّ هذه الأعمال بدع ينبغي تركها، فحاججته بما صرَّح به العلماء الأعلام الذين على كلامهم المعول في الفتوى، فأخذته العزة وقال: هؤلاء كلهم مبتدعة، وفي ذات يوم بعد صلاة العصر قرأت سورة (عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم) فسألني رجل كان جالسًا بجنبي عما هو وارد من قراءة القرآن الكريم بعد الصلوات الخمس فقلت له:
يقرأ بعد صلاة الصبح: (يس).
وبعد الظهر: (إنا أرسلنا).
وبعد صلاة العصر: (عم يتساءلون).
وبعد صلاة المغرب: (إذا وقعت الواقعة).
وبعد صلاة العشاء (تبارك الذي بيده الملك).
وفي ليلة الجمعة بعد صلاة العشاء سورة (الكهف).
وكان الشيخ جالسًا يسمع، وهذا الرجل السائل كتبها بخطه بورقةٍ طواها ووضعها في جيبه، فحين وصولنا إلى هذه المرحلة، قال الشيخ الجليل: إنَّ هذه كلها بدع لا أصل لها، فقلتُ له: أيها الشيخ الجليل ما هو المانع من قراءة القرآن بعد الصلوات أو في أيِّ وقت كان؟ مع أنَّ العلماء الأعلام ومنهم: الإمام النووي صرَّح في "مقاصده" في المقصد الأول وهذا نصُّ عبارته: (إنَّ أفضل العبادات بعد الإيمان الصلاة، وإنَّ أفضل الأذكار بعد القرآن لا إله إلا الله)، فحينئذ الاشتغال بقراءة القرآن أفضل من الاشتغال بالتوحيد، وقد قال جلَّ جلاله: (فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) [النساء: 103] وقل جلّ وعلا: (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) [الأحزاب: 35]، وغير ذلك من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة فلم يفد به جميعُ ذلك ولم يتزحزحْ قيد شبر عن قوله: إنَّ جميع هذه الأشياء بدعة، فأرخيتُ معه العنان وقلت له: لو فرضنا أنَّ التسبيح والاستغفار والتكبير والتهليل والصلوات على رسول الله الأعظم صلى الله عليه وسلم بعد الصلوات بدعة، وقراءة القرآن بعد الصلوات الخمس بدعة، فهل هي بدعة سيئة أم حسنة؟ فقد صرحت العلماء الأعلام أنَّ البدعة تنقسم إلى قسمين: بدعة حسنة وبدعة سيئة.
فالبدعة الحسنة: العمل بها مطلوب، وصاحبها مأجور كما صرح بذلك سيد الوجود صلى الله عليه وسلم حيث قال: "من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ولا ينقص من أوزارهم شيء"، فما تقول بذلك؟ فلم يتحولْ عما هو عليه. فكتبتُ له سؤالًا هذا نصه: (ما قولُ السادة الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية -عليهم رحمة رب البرية- في جماعةٍ جلسوا في المسجد بعد فراغ صلاتهم للتسبيح والتهليل والتحميد وقراءة القرآن فهل هو جائز أم ممنوع؟ وهل هم مأجورون عليه أم مأزورون؟ أفتونا مأجورين) فطلبتُ منه الجواب فلم يردني منه شيء حتى الآن لا سلبًا ولا إيجابًا، وقد مضى على ذلك ما يقارب الثلاثة أشهر. فرأيتُ من الواجب علي بالوجوب الاستحساني بل بالوجوب الشرعي أن أحرر رسالة تؤيد ما أشرنا إليه من استحسان جميع ذلك، وأنه موافق للقواعد الشرعية المرعية، ومطابق لإشارات الأحاديث النبوية، ومتفق مع عمل الأمة في جميع أقطار المسلمين، المشار إليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمعتْ أمتي على الضلالة". ولا شك أن الإجماع هو أحد أصول الدين الأربعة، وأحليّ ذلك بل أوشحه بما وردت إليه الإشارة بالآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، وأقوال


أحمد الراوي. سامراء. المكتبة العراقية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع