رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (217)
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
15/10/2024 القراءات: 370
-إنصاف:
"إنَّ الكبير من العلماء إذا كثر صوابُه، وعُلم تحريه للحق، واتسع علمُه، وظهر ذكاؤه، وعُرف صلاحُه وورعُه واتباعُه؛ يُغفر له زلـله، ولا نُضَلِّله، ولا نطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبةَ من ذلك".
سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي رحمه الله تعالى (5 / 279).
أفاده الشيخ أبو الفتح البيانوني.
***
-صحبة الكرام:
ما أجمل ما قاله الشيرازي في (كلستان) عن صحبة الكرام وكيف ترفع القدر والذكر، فقد دخل الحمّامَ يومًا فوجد مجموعة من الناس يدهنون رؤوسهم وأجسامهم بطين (البيلون) -وهو نوع من الطين الفخاري ينقع في الماء والورد، وهو نوع من الطيب الفاخر-:
رأيتُ الطينَ في الحمّام يومًا ... بكفّ الحِب أثّر ثم نسَّمْ
فقلتُ له: أمسْكٌ أمْ عبيرٌ ... لقد صيّرتني بالحِب مُغرمْ
أجاب الطينُ إني كنتُ تربًا ... صحبتُ الوردَ صيّرني مُكرمْ
ألفتُ أكابرًا وازددتُّ علمًا ... كذا مَنْ عاشر العلماء يُكرَمْ
أفاده الشيخ عثمان عمر المحمد.
***
-خطورة تقسيم تحقيق كتابٍ ما:
عرض عليَّ الأخ الفاضل حسن بن طاهر (من لندن) هذه الكلمة، وأنا أنشرُها لفائدتها:
قال وفقه الله: "هناك حديث: "أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها"، نفى عنه ابنُ حجر العسقلاني رحمه الله البطلان في بعض تأليفاته. ثم رجع عن هذا القول واستقر رأيُه على تصويب قول ابن عدي رحمه الله فيه وبطلانه وأن كل مَنْ رواه عن أبي معاوية فإنما سرقه مِن عبدالسلام بن صالح أبي الصلت الذي وضعه، كما حرَّره بخطه في ترجمة عمر بن إسماعيل بن مجالد في نسخته مِن "تهذيب التهذيب" التي اعتُمد عليها في طبعته الجديدة: طبعة دبي، ينظر: https://shamela.ws/book/1278/7568
وهذه الطبعة كانت مقسمة على خمس عشرة رسالة، وجزى الله خيرًا كل مَنْ شارك فيها، ولكن للأسف جاء محققُ القسم الذي كان فيه ترجمة عبدالسلام بن صالح أبي الصلت فمِنْ تعليقاته عليه ذكر قولَ ابن حجر القديم في "اللسان"، والرد عليه، بغير تنبيه إلى رجوعه عنه في نفس الكتاب الذي كان يحققه في ذلك الوقت، ينظر https://shamela.ws/book/1278/6097#p1
ولعله وقعتْ له هذه الزلة لأن تلك النسخة التي بخط ابن حجر رحمه الله التي كان فيها هذه الزيادة لم تُطبع من قبل، فلعله راجع المطبوع فقط. ومهما يكن من أمر فجزاهم الله خيرا لبذل المجهود فيه.
كتبتُ هذه العُجالة لا ردًّا ولا تقليلًا مِنْ جهد المحقِّقين جزاهم الله خيرًا، غير أني وجدتُّ من عثوري عليه عبرة لي، وهي أنه كلما قُسم تحقيق الكتاب فينبغي أن ينظر كلُّ محقق في سائر الرسائل. وإنْ فاتني الأدبُ الذي يجبُ عليَّ فأسأل الله أن يعفو عني وعن كل مَن ساهم في الكتاب. ويُمكن أن يرجع إلى قلة قدرتي على الإفصاح عمّا في نفسي، فالحاصلُ أنه نموذج لما يمكن أنْ تزلَّ فيه قدم المحقق إن لم يراجع قسم غيره من المشاركين في تحقيق ذلك الكتاب. والله أعلم.
حسن بن طاهر – لندن".
***
-بكاء البارودي:
ذكر الأستاذ طاهر الطناحي في كتابه «حياة مطران» ما فحواه، أنَّ حافظ ابراهيم حين رجع من السودان مُحالًا الى الاستيداع، وقع في أزمةٍ ماليةٍ حادةٍ، فاتجه إلى البارودي -وكان قريب العهد بعودته من المنفى- فمدحه بقصيدته التي مطلعها:
تعمَّدت قتلي في الهوى وتعمّدا ... فما أثِمتْ عيني ولا لحظُهُ اعتدَىَ
كِلانَا لهُ عذرٌ فَعُذرِي شَبِيَبتِي ... وعُذْرُكَ أنِّي هِجتُ سيفًا مُجَرّدا
وقد قال في هذه القصيدة بيتين لم يُنشرا بالديوان، وهما:
أتيتُ ولي نَفسٌ أطلْتُ جِدالها ... سَيَقْضي عليها كَرْبُها اليومَ أو غدا
فإنْ لم تَداركْها بِفَضلٍ فَقَدْ أَتَتْ ... تُودِّعُ مَوْلاها، وتَستْقِبل الرَّدى
فلما سمع البارودي هذين البيتين بكى بكاءً حارًّا، وناشد حافظًا أن يحذفهما من القصيدة، ثم نهض من مكانه، وعاد وبيده ظرف به أربعون جنيهًا، هي قيمة ما كان مقرّرًا للبارودي وقتئذ من المعاش، ثم قال لحافظ: إنني أبكي لأني عشتُ إلى زمنٍ يُقدِّم فيه مثلي إلى مثلك هذا المبلغ الضئيل، وقد أجاب حافظ رجاء البارودي، فحذف البيتين حين نَشر القصيدة للمرة الأولى.
عن كتاب طرائف ومسامرات للدكتور محمد رجب البيومي.
نقله الشيخ محمد علي حميسان دامت فوائده.
وأقول: هذا خبر عجيب... رحم الله البارودي. هذا موقف لا ينساه التاريخ، وليس العجب من العطية، ولكن من طلبه حذف البيتين.
***
-خطرات مقتبسة:
قلتُ:
على الله أقبلْ بصدقِ اليقينْ ... وكنْ تابعًا منهجَ المرسلينْ
وأصلحْ وسلِّمْ لربٍّ عليم ... (وربُّك أعلم بالمفسدين)
وقلتُ:
سيغرقُ في اليمِّ مهما علا ... وتلك النهايةُ للظالمينْ
ويسمعُ عقبى الهوى جهرةً: ... (عصيتَ) (وكنتَ من المفسدينْ)
وقلتُ:
سيعلو أولو الحقِّ لا تبتئسْ ... ومَنْ كانَ ضدًّا لهم فهْو دُونْ
بذلك أنبأنا ربُّنا ... سنعلو (ولو كرهَ المجرمونْ)
وقلتُ:
تقدَّمْ بنصحك للطالبين ... وأنقذْ حيارى سقامٍ وتيهْ
ولا تخشَ كيدَ غُواةِ الورى ... وربُّك يكفيكَ ما تختشيهْ
الاثنين (11) مِن ربيع الآخر (1446) = (14/ 10 / 2024م).
***
-حول "صيد الخاطر":
قال الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه «نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس» (3/ 93):
«ومقصودُنا ها هنا الكلام على معنى الحديث [احفظ الله يحفظك] وشرح ألفاظه، فإنَّه تضمَّن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهم أمور الدين وأجلها، حتى قال الإمام أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه "صيد الخاطر": تدبَّرتُ هذا الحديث فأدهشني وكدتُّ أطيش. ثم قال: واأسفًا من الجهلِ بهذا الحديثِ، وقلةِ الفهمِ لمعناه».
قلتُ: وقد راجعتُ أكثر مِن طبعة لكتاب "صيد الخاطر"، ومنها طبعة دار مدار الوطن للنشر في الرياض، الطبعة الثانية (1438-2017)، ولم أجدْ هذا القول، وفي "صيد الخاطر" حاجةٌ إلى مزيد من العناية، وهو جديرٌ بذلك حقيقٌ به.
***
منوعات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة