مدونة الباحثة لطيفة المهدي شوقي
إزدواجية معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان "غزة نموذجا"
د. لطيفة المهدي شوقي | Dr.Latifa Elmehdi CHAOUKI
05/01/2024 القراءات: 499
يحتفل العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان المصادف ل 10 كانون الأول/ديسمبر من كل عام. ويرمز هذا اليوم لليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة في عام 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. هذا الإعلان العالمي الذي يعتبر وثيقة تاريخية هامة في تاريخ حقوق الإنسان، وهو قانون ينبثق من مرجعية “كونية شاملة ” وقد صاغه ممثلون من مختلف الخلفيّات القانونيّة والثقافيّة من جميع أنحاء العالم، والذي ندد بصون كرامة الإنسان، والوقاية من معاناة البشريّة والتأسيس لعالم أكثر عدالة ومساواة وكرامة إنسانية.
وبعد مرور أكثر من سبعين عامًا على اعتماد الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، وبعد النظر والتأمل في واقع حقوق الإنسان في الدول الضعيفة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وبعد التأمل في الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها حقوق الأفراد والمدنيين الأبرياء في قطاع غزة نستنتج ما يلي:
أولا، المادة 2 من الإعلان تضمن لكل فرد التمتع بالحقوق المعلن عنها دون تمييز من أي نوع، بسبب الجنس أو اللون أو الدين أو العرق أو اللغة…الخ، وهاهو القانون الدولي لحقوق الإنسان يميز المدنيين في غزة عن المدنيين في أوكرانيا، لم يعد يكيل بمكيالين كما في السابق بل بمكيال واحد، وهو مكيال الإقصاء والتمييز وغياب العدالة الإنسانية، بالأمس تم التنديد و بقوة عن انتهاكات حقوق الأوكرانيين في الحرب ما بين روسيا وأوكرانيا وتحركت كل من المفوضية السامية لحقوق الإنسان والهيئات الدولية و المنظمات الإنسانية لإغاثة المدنيين في أوكرانيا، وأعرب “فولكر تورك” مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في جنيف عن حزنه وألمه بعد زيارته لأوكرانيا قائلا : ” سيّدي الرئيس،أصحاب السعادة،
أيها المندوبون الكرام، اختَتَمْتُ زيارتي إلى أوكرانيا منذ أسبوع تقريبًا. ولكنني لا أزال أحمل في قلبي وعقلي الأهوال والمعاناة والخسائر اليومية التي تُلحقها هذه الحرب بالناس في البلاد، القتل والحياة المقتلعة من جذورها، والأُسَر المُشتّتة.” هذه الزيارة التي لم يحظى بها قطاع غزة، بل قام “فولكر تورك” في نونبر المنصرم بزيارة باهتة لدول الجوار كمصر والأردن ودول الخليج تحت ذريعة أن القطاع منهار، فكيف يمكن معرفة هاته الإنتهاكات دون معاينتها كما تم من قبل أوكرانيا دون تمييز أو إقصاء؟
ثانيا، المادة 03 من الإعلان تضمن لكل شخص الحق في الحياة والحرية والأمان، وجميع هاته الحقوق انعدمت في غزة فالأفراد الأبرياء في غزة يقتلون ويقصفون كل لحظة وجلهم من النساء والأطفال والشيوخ، محاصرون من الشمال والجنوب و مقيدو الحرية، منعدموا الشعور بالراحة والأمان، السؤال الذي نطرحه هنا أيضا : كيف يمكننا التطرق لباقي الحقوق في الإعلان والحقوق الأساسية لوجود الإنسان واستمراره غير مضمونة في غزة؟
ثالثا، المادة 04 و05 و09 تندد بعدم استرقاق الأفراد وتعريضهم للتعذيب والحط من كرامتهم وعدم احتجازهم أو نفيهم تعسفا، والعالم بأكمله رأى وعاين الفيديو الذي نشرته إحدى القنوات الإسرائيلة والذي يوثق للتنكيل بمدنيين نازحين مجردين من الثياب تم اعتقالهم من مدارس الإيواء ببيت لاهيا، هذا أمام مرأى القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي صودق عليه خصيصا للحفاظ على الكرامة الإنسانية، وأمام مرأى المنظمات الدولية الحقوقية والجمعيات الإنسانية .
رابعا، المادة 10 من الإعلان تندد بأن لكل شخص الحق في أن تنظر في قضيته محكمة مستقلة ومحايدة بشكل منصف وعادل، واليوم سجون الإحتلال مكتظة بالفلسطينيين المعتقلين بدون تهمة وغير المحكومين، وفي هذا انتهاك صريح لحق الفرد في المحضر العادل و المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع التي يضمنها الإعلان.
خامسا، المادة 19 من الإعلان تضمن حرية التعبير وحرية الرأي وهذه الحرية تتعرض اليوم للتقويض والتقييد من طرف شركات مواقع التواصل الإجتماعي العالمية، انتصارا لمصالحهم الإقتصادية والسياسية مع الكيان المحتل والولايات المتحدة الأمريكية.
خلاصة لما سبق ذكره، نقول إن الأفراد في قطاع غزة اليوم لا يتمتعون بأدنى حق من حقوقهم وحرياتهم الأساسية وهو حق الحياة والأمن، فكيف يمكننا التحدث عن باقي الحقوق الأخرى كالحق في الغذاء والصحة والتطبيب وحرية مزاولة الشعائر الدينية وطائرات الإحتلال تقصف بوحشية وجنون كلا من المستشفيات وطواقم الإسعاف والمباني السكنية الآمنة والبنى التحتية والمساجد والكنائس، وتعدمهم شروط الحياة والوجود بقطع الماء والكهرباء وشبكة الأنترنت، وتقوم بالتهجير القسري للمدنيين غير المشاركين في الحرب، من هنا نصل لحقيقة أكدها لسان الواقع وهي أن القانون الدولي لحقوق الإنسان لم يسن لضمان حقوق الأفراد المنتمين للثقافة العربية الإسلامية ، بقدر ما جاء للدفاع عن المرجعية الكونية والتي هي مرجعية وفلسفة “غربية محضة” ونتاج لعصر الأنوار، مرجعية لم تراعي باقي الخصوصيات الثقافية والدينية للبلدان المصادقة على الإعلان، وفي نفس الوقت تعرضها للضغط و المساءلة بواسطة لجان خاصة وتفرض عليها إملاءاتها، و يتبين لنا أن مصطلح “كونية حقوق الإنسان” ما هو إلا مصطلح مزيف يستعمل كذريعة لفرض التوصيات وإلزام الدول، لأن الكونية تتحقق و تتجلى أولا في مشاركة وإسهام جميع الدول والثقافات في الوثيقة المرجعية لحقوق الإنسان قبل الإعلان عنها والمصادقة عليها، محترمة بذلك هوية كل بلد وديانته وثقافته. ثانيا تتجلى “كونية حقوق الإنسان” في تمتع جميع الأفراد بحقوقهم الأساسية وضمان ممارستها دون تمييز أو إقصاء بسبب الثقافة أو الدين أو العرق، كما يحصل اليوم مع الأفراد في غزة من انتهاكات جسيمة ومؤلمة يشهدها العالم بأكمله دون تحريك ساكن وعلى رأسهم القانون الدولي لحقوق الإنسان.
إزدواجية، القانون الدولي، غزة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع