سقوط نفقة الابن على أبيه، وإنفاق الأولاد على آبائهم، وإنفاق القريب على قرببه
سيف بن سعيد العزري | SAIF BIN SAID ALAZRI
19/12/2024 القراءات: 91 الملف المرفق
رفع دعوى على ولده الذي بلغ من العمر عشرين عاماً يطالب فيها بإسقاط النفقة المقرّرة لابنه عليه، كما يطالبه فيها بالإنفاق عليه وعلى إخوانِه؛ حيث إنّه أصبح يعمل، وبعد نظر الدعوى حكمت المحكمة في الدعوى، فكان من أسباب الحكم:
"وحيث إنه عن طلب المدعي بإسقاط النفقة على المدعى عليه، فإنه من المقرّر فقها أنّ نفقة الولد الصغير الذي لا مال له على أبيه، لقول الرسول - صلّى الله عليه وسلَم - لهند زوج أبي سفيان: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف)، وعلى هذا جرى قانون الأحوال الشخصيّة في المادّة (60) حيث نصّت على أنّ "نفقة الولد الصغير الذي لا مال له على أبيه حتى تتزوج الفتاة ويصل الفتى إلى الحدّ الذي يكتسب فيه أمثاله ما لم يكن طالب علم يواصل دراسته بنجاح".
لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق - حسب حكم محكمة ... المشار إليه - أنّ المدعي ملزم بالنفقة على ولده المدعى عليه، وكان الثابت كذلك أنّ المدعى عليه عمره عشرون عاماً وأنّه لا يدرس، فقد وصل الحدّ الذي يكتسب فيه أمثاله، وعليه تقضي المحكمة بإسقاط النفقة المقرّرة على المدعي لولده المدعى عليه في الحكم المذكور.
ولا ينال من ذلك ما أفادت به وكيلة المدعى عليه من أنّه يدرس حاليّاً الصفّ الثاني عشر دراسة حرة؛ إذ إنّه غير مواصل دراسته بنجاح، كما يظهر من الفارق بين عمره وبين السنة التي يدرس بها.
وحيث إنّه عن طلب المدعي بإلزام المدعى عليه بالنفقة على أبيه المدعي وعلى إخوانه؛ أما بالنسبة لنفقة الابن على أبيه: فإنه من المقرّر شرعاً أنّ الوالدين إذا كانا محتاجين وجب على الولد الإنفاق عليهما إذا كان غنيا، وإذا كان الوالد فقيرا والولد غنيا كان على الولد نفقة الوالد ولو كان سليم الجوارح يقدر على العمل فلم يعمل، فإن كان له صنعة أو مكسبة فلم يعمل كان على الولد نفقته، وكذلك الوالدة أيضا، فإن كان الولد لا مال له إلا أنه يعمل بيده ويفضل من عمله فلينفق عليه من الفضلة، فإن لم تكن له فضلة فلا شئ عليه، فإن كان للولد زوجة وأولاد فليبدأ بالزوجة والأولاد، (ينظر المصنف 23/61-62)، ومع هذا فالخلاف بين أهل العلم في اشتراط اليسار في الابن لنفقته على أبويه، فقيل: لا يشترط ذلك فالقدرة على العمل كافية في وجوب النفقة، وقيل: يشترط ذلك وهو ظاهر من النصّ المذكور، وهو الذي يقتضيه العدل؛ فالله تعالى قد جعل الناس متفاوتين في الرزق مع قدرة المتماثلين على الكسب فقال: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ الزخرف: ٣٢، فلا يمكن جعل سبب وجوب النفقة هو القدرة على الكسب؛ إذ هي سبب، فلا تفضي إلا المسبّب وهو كسب الرزق إلا بإرادة المسبّب جلّ وعلا، وإلا لكان إيجاب النفقة على القادر على الكسب مع عدم فتح الله له الباب للرزق من التكليف بما لا يطاق وهو متعذّر في شرع الله تعالى؛ ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ البقرة: ٢٨٦، وعلى هذا جرى قانون الأحوال الشخصيّة في المادة (63) حيث نصّت على أنّه: "1- يجب على الولد الموسر، ذكراً أو أنثى، كبيراً أو صغيراً نفقة والديه إذا لم يكن لهما مال يمكن الانفاق منه. 2- إذا كان مال الوالدين لا يفي بنفقتهما ألزم الأولاد الموسرون بما يكملها" ونصت المادة (1/63) على أنه "توزع نفقة الأبوين على أولادهما بحسب يسر كل واحد منهم"، ونصّت المادة (65) على أنه "إذا كان كسب الولد لا يزيد عن حاجته وحاجة زوجته وأولاده ألزم بضم والديه المستحقين للنفقة إلى عائلته".
وأمّا بالنسبة لنفقة القريب على بقيّة الأقارب من غير الأبوين، فإنّه من المقرّر شرعاً أنّ لبعض الأقارب نفقة على قريبهم، ولكن اختلف الفقهاء في حدود القرابة الموجبة للإنفاق، فقيل: الولادة، فتجب على الفروع لأصولهم، وعلى الأصول لفروعهم، وقيل: المحرميّة؛ للأمر بصلة الأرحام، وقيل: الإرث؛ لقوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ البقرة: ٢٣٣، وبهذا القول الأخير أخذ قانون الأحوال الشخصيّة فقد نصّت المادة (66) منه على أنّه "تجب نفقة كلّ مستحق لها على من يرثه من أقاربه الموسرين بحسب ترتيبهم وحصصهم الإرثيّة، فإن كان الوارث معسراً تفرض على من يليه في الإرث مع مراعاة المادة (62) من هذا القانون"، كما أنّه من المقرّر شرعاً أنّه يشترط لوجوب النفقة على القريب شروط، منها: 1-حاجة القريب المطالِب بالنفقة، 2-عجز المطالِب بالنفقة، 3-يسار المطالَب بالنفقة، (ينظرالأحوال الشخصيّة، لمحمد أبو زهرة، ص413- 419)، وبتتبع المواد المتعلقة بنفقة القريب يتبيّن أنّ القانون جرى على اشتراط هذه الشروط، كما أنّه من المقرّر أنّ الأصل العدم، ومن ادّعى خلاف ذلك فهو المدعي، فعليه يقع عبء الإثبات؛ إذ هو مدعي خلاف الأصل، عملاً بالقاعدة الشرعية المستقاة من الحديث الشريف التي تقضي بأن "البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر"، فعلى المدعي في حال إنكار خصمه إثبات دعواه بالبيّنة المعتبرة، وإلا كان له الحقّ في الاحتكام إلى ضمير خصمه بتوجيه اليمين الحاسمة إليه في الأحوال التي يصح فيها ذلك، فإن حلف خسر المدعي دعواه وإلا حكم للمدّعي بما يدّعي على القول المعتبر عند أهل العلم ما لم يردّها المدعى عليه إلى المدعي، وعلى هذا جاءت المواد (1) و(67) و(74) و(75) من قانون الإثبات.
لما كان ذلك، وكان يشترط لنفقة الابن على أبيه وعلى بقيّة الأقارب أن يكون موسراً، وكان الثابت من الأوراق أنّ المدعي يتمسّك في المطالبة بالنفقة على أنّ المدعى عليه قد عمل في ...، وقد ثبت من إفادة ...
يمكنك - أخي الكريم - الاطلاع على بقية الحكم في الملف المرفق إعلاه.
حكم قضائي، نفقة، طالب علم، نفقة قريب، إنفاق الآباء على أولادهم
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع