مدونة عبدالحكيم الأنيس


على ضفاف القرآن (8)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


06/11/2023 القراءات: 516  


استعمال الآية عنوانًا:
هل يجوز أن نجعل من آيةٍ أو جزءٍ منها عنوانًا لكتابٍ أو بحثٍ أو مقالٍ، أو شعارًا لحملةٍ ما؟
يبدو لي أنَّ هذا يرجعُ إلى الاقتباس ويأخذُ حكمه، فما كان سائغًا ساغ وإلا فلا، ويجب تعظيمُ الآيات وعدمُ تعريضها لما لا ينبغي مِن سوء تلقي المتلقين وابتذالِ الورق وما شابه ذلك، وفي المفسرين مَنْ سمَّى تفسيره: "حدائق ذات بهجة"، وفي المتأخرين من جعل عنوان كتابٍ في الردود: "ويلك آمن"، وهذا اقتباس شديد.
***
رأينا -ورأى الناسُ- في الناس عجبًا مِن قلةِ الإنصاف، ونسيانِ الفضل، والتنكُّر للعشرة، وتجاهلِ المتقدِّم، وإغفال السابق، وفي القرآن دروسٌ تعلمنا أنْ لا نضيع جهدَ المحسنين، وبذلَ المتطوعين، وفي ذلك أيضًا بلسمٌ لجروح التنكر فحين يقرأ المرء: (إن الله لا يضيع أجر المحسنين) يطمئن قلبُه ويجد عزاء لما رأى من المضيّعين المفرّطين، وقد تكررتْ هذه الجملة ثلاث مرات: مرتين في مكة، ومرة في المدينة.
***
قولُ الله تعالى: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) [العنكبوت: 49] دلالةٌ على فضل حفظ القرآن، وهذه السورةُ مكية، فقد بدأتْ حركة الحفظ من مكة.
***
الدعاء يكون مع الأخذ بالأسباب، وعند توقف الأسباب، ولا يأسَ فالله عزوجل هو مالك الأسباب.
وأذكرُ لكم هذا الخبر: أُحيلَ إلى ابن رئيسٍ عربيٍّ الإشرافُ على جامعة، فأمر بإلزام الطلاب بالانتساب إلى الحزب الحاكم، وإلا فُصلوا وأُلحقوا بالجيش! وعارض بعضُ الطلاب فرُدَّ عليهم بقسوة وأُمهلوا أيامًا، وقبل مضي المدة تعرض ابن الرئيس لمحاولة اغتيال، فشُغل بنفسه عن غيره، وطُويَ ذلك الملف، وبقي الطلابُ في دراستهم.
***
قوله تعالى: (وليال عشر) -وهي الآية الثانية من سورة الفجر- يقابلُها: (فادخلي في عبادي) -وهي الآية ما قبل الأخيرة- وأجدُ في هذه إشارة إلى فضل اغتنام تلك العشر، وكونها بابًا للتحقق بالعبودية والاندراج في عباد الله.
***
ولع الناسُ بعقوبة الإخراج، والله عز وجل يقول: (وإخراج أهله منه أكبر عند الله) [البقرة: 217]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لورقة: "أوَ مخرجيَّ هم؟"، فأجابه الجواب المعروف... وقد أُخْرِج علماءُ وصلحاء من بلادهم، ومنهم الإمام البخاري، وأريد إخراج الشافعي ولم يتم الأمر:
قال البيهقي في كتابه «مناقب الشافعي» (2: 338-339):
«قرأتُ في كتاب زكريا بن يحيى الساجي: سمعتُ إبراهيم بن زياد يقول: سمعتُ البويطي يقول: لما مات الشافعي اجتمعنا في موضعه جماعة من أصحابنا، فجعل أصحابُ مالك يسعون علينا عند السلطان، حتى بقيتُ أنا ومولى الشافعي ثم نرجع بعد ذلك ونتألّف، ثم يسعون علينا عند السلطان حتى نتفرق، فلقد غرمتُ نحوا من ألف دينار حتى رجع أصحابي وتألفنا.
قلتُ: وكانوا قد سعوا بالشافعي حين وضع كتاب الرد عليهم، واجتمعوا إلى السلطان وقالوا له: أخرجْ هذا عنّا. فأجابهم السلطانُ إلى ذلك، فذهب الشافعي ومعه الهاشميون والقرشيون إلى السلطان، وكلّموه فأبى عليهم وقال: إنَّ هؤلاء قد كرهوه وأخاف أنْ تفتن البلد عليّ، فأجّله ثلاثة أيام على أنْ يخرج من البلد، فلما كانت الليلة الثالثة مات الوالي فجأة وكُفي أمره وأقام الشافعي. وهذا فيما قرأتُه في كتاب أبي يحيى الساجي، عن عبدالله بن أحمد، عن أبي عبيدالله ابن أخي عبدالله بن وهب: أنه ذكر هذه القصة».
وهناك آخرون أذكرُهم في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.
***
لمَ يُعرِضُ الناس عن تلاوة القرآن؟
لا بدَّ أنَّ هناك أسبابًا، وقد ذُكر في القرآن والسُّنة عدد من الأسباب، ويبدو لنا من واقعنا:
قلة الإيمان.
والاشتغال بالدنيا وترك أمور الآخرة.
وعدم إدراك معاني القرآن.
وظهور وسائل صارفة؛ من التلفاز إلى وسائل اليوم (وما أكثرها!).
والصد عن القرآن بإلقاء الشبهات ونشر الشهوات.
وقلة العلم.
وكثرة أماكن اللهو.
أقترحُ تتبع هذا الموضوع بجدٍّ تام، وإحصاء الأسباب من القرآن والسُّنة وأحوال الناس، ومقارنة هذا بما كان عليه السلف من اهتمام كبير بالتلاوة والمدارسة.
***
معجم التفاسير المطبوعة:
هذا عملٌ مهم ينتظر همة الباحثين، والتفاسير أنواع، هناك التفاسير الكاملة، وهناك تفسير سور، وتفسير آيات، وكلها مهمة، وفي الأنواع الثلاثة حاجة إلى جمع واستقصاء لما حُقق ونُشر منها، وما أُقيم عليها من دراسات، وما نُشر حولها من مقالات نقدية وبحثية، والنوع الأول هو الأهم.
***
كنّا سنة (1992) نتدارسُ موضوعًا يُكتب فيه رسالة، فاقترح الشيخ مكي حسين الكبيسي -رحمه الله تعالى-: "الجن في القرآن".
واقترح الشيخ عداب الحمش: "ضوابط التفسير الموضوعي".
واقترحتُ -فيما اقترحتُ-: "علي بن أبي طالب ومدرسته التفسيرية".
***
تفاسير للملوك والأمراء الوزراء:
نجد في تاريخنا كتبًا أُهديت إلى الكبراء، ومِن ذلك تفاسير ألفها أصحابُها وقدَّموها إلى شخصيات كبيرة في عصورهم، ولكن هذه الكتب تمثِّل مستوى مؤلِّفيها، وتحكي اهتماماتهم العلمية والفكرية، وتنحو نحو التفسير من حيث هو، لا من حيث المتلقي، لهذا أجد من الضروري جدًا كتابة تفاسير تخاطب المذكورين، وتقف بهم عند واجباتهم القرآنية، وخصوصياتهم الشرعية، بأسلوب سهل، ولغة واضحة، من غير تطويل ممل، ولا إيجاز مخل.
***
تفاسير للمرأة والطفل:
من المهم كذلك كتابة تفاسير للنساء، تخاطب المرأة وتقف بها عند ما يتعلق بها من كتاب الله.
وكنتُ أدعو إلى كتابة تفاسير للأطفال، ثم وجدتُّ "تفسير القرآن للناشئين".
***
ساعةُ الوحي الأولى ساعةٌ فارقة في التاريخ البشري، حين أستذْكرُها وأستحضرُ جبال مكة وغار حراء تمتلكني رهبة، وأسرح بعيدًا في محاولة عيش تلك اللحظات النادرة المميزة التي لا تشبهها لحظاتٌ أخرى... لقد بدأتْ حينها أكبرُ حركة تغيير في العالم، ونشأتْ أجلُّ دعوة شهدها البشر، وانطلقتْ أعظم جهود في تكوين حياة أخرى على أسس أخرى.
***
نبيٌّ مِن أولي العزم ووليُّ من أولياء الله -أو نبيٌّ أيضًا- دخلا قرية ولم يعرفهما أحد، واستطعما فلم يُطعما... ليت أهل القرية كانوا يعلمون أي رجلين عندهم!
ولعل في كل زمن قرية كتلك، وناسًا كأولئك.
***


القرآن. تدبر. تأمل.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع