مدونة محمد كريم الساعدي


اليونان والرومان والحقبة المسيحية ومسرح الشارع رؤية نقدية في مسرح الشارع / القسم الثاني

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


17/01/2024 القراءات: 424  


من ناحية ثانية جعلت شكل المسرح يتغير من ممارسة مسرحية بسيطة الى ممارسة مسرحية أوسع وأكثر نضوجاً في فعلها الدرامي ، والبعض يرى بأن مسرحية الشارع إعادة الماضي لهذا الشكل الدرامي الذي كان قائماً عند اليونان والرومان ،أي أن "مسرحيات الأسرار ، هذه في الحقيقة قد حولت قصة الإنجيل إلى نوع من المواكب الوثنية ، حيث صورت خلق شخصيتي (أدم) و (حواء) حتى يوم القيامة . وكانت هذه العروض عادة ما تقدم في الهواء الطلق ، على منصات أو عربات تجوب المدينة ، وتتوقف في أماكن مختلفة "(5) . وهذه الأفعال المسرحية جعلت إشكالية حلّيت المسرح من عدمه ترجع مرة أخرى بين القائمين على الجانب الديني المسيحي، هذه القضية خلّفت صراع فكري مرة أخرى عن الجدوى التي يكون فيها المسرح جزءاً من الدعوة إلى المسيحية من جهة ، ويكون جزءاً من الفعل الطقسي الداعي إلى الترويج للكنيسة خارج الكنيسة ذاتها من جهة أخرى ، ومن جهة ثالثة يرى أصحاب الموقف المتشدد من أن هذا العمل ليس من أصل طبيعة الطقس الديني ، بل هو مضاف لهذا الطقس ، مما يجعل المسرح ذات البعد الوثني في التجوال في الشوارع - حسب ما كان يقدم في الحضارة الرومانية - يشوه المجال الديني المسيحي ، ومن ثم سيكون هذا الواقع " الذي أدى الى خروج مسرحيات الأسرار في القرون الوسطى ، من الكنيسة الى الشارع ، مثار جدل . فبعض المسؤولين عن الكنيسة كانوا يرمون الى أهداف دينية وراء تقديمها ، بينما أراد البعض الآخر تحريم وتجريم ومنع هذه المسرحيات وكأنها أعمال شريرة ، في حين أنها كانت بمثابة فرصة يغتنمها العامة للاحتفال والابتهاج بقدرة العناية الالهية ، وهي تتجلى في الزمن والتاريخ بطريقة يفهمونها " (6) ، وهذا الفهم لهذه الطريقة التي أصبحت مثاراً للجدل جعلت من سمة الاحتفال في الشارع يقع في ثلاثة أبعاد مهمة لمفهوم مسرح الشارع وهي :
1. يعمق هذا الفعل المسرحي لمفهوم مسرح الشارع على المستوى الفني لدى العاملين في المجال المسرحي ضمن هذا الاحتفال .
2. ويعمق هذا الفعل المسرحي المفهوم الثقافي لدى الجمهور المشارك لهذه الظاهرة الفنية ذات البعد الديني ، كونها مباحة ومشرّعة من قبل رجال الدين ، وفيها فعل احتفالي يشترك فيه المؤمن بالطقس الديني المسيحي من جهة والداعي الى قضية الترفيه والمتعة من جهة أخرى.
3. ويعمق هذا الفعل المسرحي المجال الديني ويطور من الطقس بطريقة أكثر مشاركة لدى القائمين والداعمين من القساوسة لهذه الممارسة في بعدها الاحتفالي الديني .
إنَّ التطور الحاصل في هذا الفعل الدرامي في المجال الديني والذي أخذ من الشارع مكاناً لقيامه ، وأصبح من المرجعيات التاريخية لمفهوم مسرح الشارع ، قد تطور بشكل متسارع كونه مرتبط بالمجال الديني الذي يشرعّن للمشاركين في الفعل الدرامي لأفعالهم الأدائية ، وهو ما كان محرّم في السابق ، كون التحريم كان يحرّم ويجرّم أصل الفعل المسرحي ، وأصبح مع مرور الوقت مباحاً للمشاركة ، وفي مجال آخر جعل الجمهور يقبل على هذه المشاركة من خلال المشاهدة والتفاعل معها بشكل كبير ؛ هذان العاملان جعلا مسرح الشارع الكنسي إن صح التعبير يتطور ويأخذ أكثر وقتاً في مجال التقديم ، أي من قصة مسرحية ذات أربعة مقاطع إلى قصة مسرحية تحوي ألاف الأسطر التي تُقدَم بشكل درامي في الشارع لتشمل أكثر القصص الدينية وأطولها تقديماً للجمهور على شكل دورات مسرحية ، ومن ثم " تتعامل الدورات المسرحية هذه مع قصتين دينيتين أساسيتين على نحو حديثي ؛ من الخلق الى يوم الحساب وغالباً ما تندرج بها حياة السيد المسيح من عيد البشارة الى النشور . ومن الدورات المسرحية الإنجليزية المتبقية : يورك ، تشستر، ويكفيك ،كوفنتري، وتشمل كل منهن على (10000)(14000) سطر تستغرق من يوم الى ثلاثة أيام لعرضها ، بينما تتجاوز بعض الفرنسيات (50000) سطر تستغرق أكثر من شهر لعرضها" (7) ، هذه الدورات المسرحية هي من أطول المسرحيات ذات البعد الديني التي تقدم في الشارع ، ومن ثم تكون المشاركة هي الأوسع حضوراً ، والأطول في الوقت في الدراما الدينية المرتبطة بطريقة وأسلوب مسرح الشارع.


مسرح ، شارع


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع