مدونة مولاي مصطفى المقدم


فوائد علم الوثائق ماليا واجتماعيا

أ.د. مولاي مصطفى المقدم | Research Doctor: moulay mustapha el mouqadim


03/12/2023 القراءات: 304  



مما لا شك فيه أن لعلم الوثائق منافع جمة، وفوائد عظيمة بينها أهل العلم، وأكدها التاريخ البشري، وشهد بها الواقع المعيش، أذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر الفوائد التالية:
1) ممارسة التوثيق في حياة الناس، والتزام ذلك في المعاملات المختلفة طاعة الله تعالى، واستنان بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين، فقد أمر الله بذلك في آية الدين: {يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ اِلَيٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّيٗ فَاكْتُبُوهُۖ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبُۢ بِالْعَدْلِۖ وَلَا يَابَ كَاتِبٌ اَنْ يَّكْتُبَۖ كَمَا عَلَّمَهُ اُ۬للَّهُ فَلْيَكْتُبْۖ} [سورة البقرة، الآية:281] وقد باشر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه توثيق العقود والعهود في مختلف المواقف، كما سبق بيان ذلك؛
2) أن تعلم الوثائق من تمام الفقه؛ لأنه مناط أخلاق طالب العلم، فهو لازم كما يرى بعض العلماء، فلا يصح عندهم تسمية طالب العلم بالفقيه ما لم يتمكن في علم الوثائق، قال القاضي عياض ¬ في ترجمة ابن أبي دليم: ©وكان لا يرى -أي ابن أبي دليم- أن يسمى طالب العلم فقيهًا حتى يكتهل، ويكمل سنه، ويقوى نظره، ويبرع في حفظ الرأي، ورواية الحديث وتبصره، ويميز طبقات رجاله، ويحكم عقد الوثائق، ويعرف عللها، ويطالع الاختلاف، ويعرف مذاهب العلماء، والتفسير، ومعاني القرآن، فحينئذ يستحق أن يسمى فقيهًا، وإلا فاسم الطلب أليق به®
3) علم الوثائق يعد من الوسائل القوية في إثبات الحقوق عند التقاضي؛ لأن التوثيق بمنزلة الضامن لثبوت الحقوق عند ادعاء الغير لها، حيث يتمكن أصحابها من الاحتجاج بما لديهم من الوثائق على خصومهم؛ فتحفظ الأموال لأصحابها من كل الآفات والمزالق من اعتداء وربا، وبالتوثيق يقضى على المنازعات والخصومات بين الناس؛ فيسعد المجتمع ويعيش في أمن وسلام.
4) التوثيق صيانة للأموال وحفظ لها من الضياع، وذلك مقصد من مقاصد الشرع الحكيم الذي حدث على اكتساب المال من الطرق الشرعية، وحذر من إضاعته فيما لا ينفع أو يضر، كما نهى عن أكل أموال الناس بالباطل والاعتداء على حقوقهم؛ فشرع نظام التوثيق؛ إذ بواسطته تحمى الحقوق وتحفظ الأموال، ويضبط به نقل ملكيتها، والتصرف فيها دون وقوع نزاع أو خصام.
5) التوثيق بشروطه الشرعية يمنع المتعاملين من الوقوع في العقود الفاسدة؛ لأنه وسيلة يسترشد بها في جميع التصرفات إلى الطرق الصحيحة في التعاقد، وإلى تصويب ما وقع فيه من انحرافات مبطلة له عاجلا أو آجلا؛ فتصان العقود من تطرق الفساد إليها؛ بسبب جهل طرفي العقد لفقه المعاملات أو بسبب احتيال أحدهما على الآخر، أو بتواطئهما معا على وجه من التعاقد لا يجوز في الشرع؛ لذلك وجب على الموثق أن لا يقبل مثل هذه التصرفات التي تخل بأحكام الشريعة الإسلامية، وهذا من أعظم الطرق في صيانة العقود من الفساد والبطلان.
6) إشاعة الأمن في المجتمع؛ لأن التوثيق وسيلة عظمى لحسم مادة النزاع والاختلاف بين أفراد المجتمع، وهو طريق كبير إلى إصلاح ذات البين، فلا يبقى مجال لأن يعتدي الإنسان على أخيه، فيصبح كل فرد يتمتع بالأمن من جهة نفسه ومن جهة غيره، فيستقر المجتمع بأكمله.
7) رفع الارتياب والشك عن قلوب المتعاقدين خاصة لما يطول الزمان، فعند الرجوع إلى وثيقة العقد لا يبقى لواحد من المتعاقدين ريبة في مقدار البدل ومقدار الأجل وشروط المعاملة، وكذلك بعد موتهما لا تبقى الريبة لوارث كل واحد منهما؛ فيعرف كل وارث موضع حقه ونصيبه، فيتمكن من المطالبة به دون ريبة، قال الله تعالى: {ذَٰلِكُمُۥٓ أَقْسَطُ عِندَ اَ۬للَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْن۪يٰٓ أَلَّا تَرْتَابُوٓاْ ...٢٨١} [سورة البقرة، الآية:281].

وفي فوائد علم الوثائق يقول الإمام السرخسي ¬: ©وفيه المنفعة من أوجه: أحدها: صيانة الأموال، وقد أمرنا بصيانتها ونهينا عن إضاعتها. الثانية: قطع المنازعة فإن الكتاب يصير حكما بين المتعاملين ويرجعان إليه عند المنازعة فيكون سببا لتسكين الفتنة، ولا يجحد أحدهما حق صاحبه مخافة أن يخرج الكتاب وتشهد الشهود عليه بذلك فيفتضح في الناس. الثالثة: التحرز عن العقود الفاسدة؛ لأن المتعاملين ربما لا يهتديان إلى الأسباب المفسدة للعقد ليتحرزا عنها فيحملهما الكاتب على ذلك إذا رجعا إليه ليكتب. الرابعة: رفع الارتياب فقد يشتبه على المتعاملين إذا تطاول الزمان مقدار البدل ومقدار الأجل فإذا رجعا إلى الكتاب لا يبقى لواحد منهما ريبة، وكذلك بعد موتهما تقع الريبة لوارث كل واحد منهما بناء على ما ظهر من عادة أكثر الناس في أنهم لا يؤدون الأمانة على وجهها فعند الرجوع إلى الكتاب لا تبقى الريبة بينهم فينبغي لكل أحد أن يصرف همته إلى تعلم الشروط لعظم المنفعة فيها...®


الفوائد، علم الوثائق، ماليا، اجتماعيا.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع