برج الجزيرة العائمة .....
فرج مراجع فرج بن موسى | FARAG MURAJIA FARAG BIN MOUSA
08/01/2023 القراءات: 835
أطلَّت عليْنا شمس النَّهار بجمالها وعطائها في أغلب أمور حياتنا اليومية؛ وبذلك بدأت ساعات العمل في جزء كبير على هذا الكوكب الذي نعيش فيه، فهناك أناس يعيشون في شبه الجزيرة التي تقع بين البحرين الأحمر والأبيض، وهي تقترب من القارتين (الآسيو أفريقية)، تميزت هذه الجزيرة بدفء طبيعتها ورفق أهلها وخصوبة تربتها، وتُحِيطُها المياه من جميع جوانبها، كإحاطة السِّوار بالمعْصم، ويوجد في أسفل شاطئ هذه الجزيرة درج جميل، تظهر عليه إبداعات الصانع، فهو يأخذ بقلوب النَّاظرين، ويسحر أعين القاصدين والمتأملين لهذه الجزيرة الطِّيبة، ويوجد أيضاَ بمحاذة هذا الدّرج أشجار النَّخيل والعنب والتِّين والتُّوت البري، وبالقرب من هذه الحديقة الجميلة دار ازدهار (صانعة العقاقير الطبية)، وهي تعمل صباحاً ومساءً، كلما أحتاج لها أهل هذه الجزيرة، فهْي تُعالجهم وتسْهر على راحتِهم، ودائماً تعْمل على سعادتهم، وبين الجدار والحديقة يوجد برج للطيور، تعلوه مروحة من الخشب، وتستخدم لمعرفة اتجاه الرياح، وتميزت هذه المروحة الخشبية بالإبداع والابتكار، فهي تجمع بين الدقة والرُّوعة وبين الفن العلمي في التَّصميم، فقد كانت الطُّيور سعيدة جداً بتلك البيوت التي شيدتها ازْدهار، إلا أن الطُّيور تشْتاطُ غضباً كلما بدأ موسم الهجرة؛ وذلك بسبب اسْتهزاء الطيور المهاجرة بطيور الجزيرة العائمة، عندها سأل أحد الطيور المهاجرة الأُريقط، قال له:
لماذا ألوانكم سوداء، وأجسادكم نحيلة، وأعينكم تميل للاحمرارِ، ومناقيركم طويلة و رقيقة !! واسْتطرد قائلاً أأنتم مِثْلُنا أم أنكم من القارة الإفريقية؟ وأسرَّ لأصْدقائه بأمرين اثنين، أوَّلهما رسم ملامح الفرح والسُّرور على أغلب مناقير الطُّيور المهاجرة، والثاني رفع صوْته قائلا: لماذا لا تهاجرون مِثْلَنا ألا تُحبُّون الحرية؟
توزع ذلك الصوت في اغلب بيوتات الطُّيور، عندها اقتربت ازدهار ووضعت مياه الشُّرب، والحبوب بالصَّحْنِ الأبْيض أسفل البرج، فصاح المهاجرون حتى الطَّعام يُجْلب لكم !! فاقْترب ابن الأُريقط الذي كان فصيح اللسان، حكيماً، حليماً، عادلاً، مُنصفاً، قوياً، ليِّناً، مُبدعاً في فن الإلقاء والحديث، تقدم إلى مهاجرين برفْق ولين، ثم طار أعلى البرج، وتقدم برجله اليمنى ورفع رأسه، وحدّق بكلتا عينيه، وقال أيها المهاجرون ألا تعلمون آداب الزِّيارة !! واسْترْسل قائلاً: إننا مِثْلكم ننعم بالحرية وراحة البال والسَّعادة ونعيش في أمن وآمان، ولا يوجد ما يُعكِّر صفْونا إلا أنتم، ولا يكون ذلك إلا في موسم هجرتكم، ألا يسْتدعي ذلك أمراً، ولم يكمل ابن الأُريقط حديثه بسبب هجوم شهاب وهو أحد الطيور المهاجرة، فصاح قائلاً:
يا أُريقط أتريد أن تُعلِمنا، ثم اسْتطرد: نحْن أبناء الأكْرَمِين وتأْبى أنفسنا القيد والذُّل والانكسار، ونتطلَّع ونطْمع لزيارة العالم، أولم تشاهد ألواننا الجميلة، وأشْكالنا الوسيمة، ومناقيرنا البيضاء الأنيقة، عندها تقدم ابن الأُريقط وقال له: نحْن كما أنتم نَطِير بِجناحيْن، ولنا رِيش ومنقار وقدمان وعينان، أمَّا ألْواننا السَّوداء فقط وهبها الله لنا، ولن نَّسْتحيي منها، ولم تُسلب حُرِّيتنا أبداً، فازْدِهار تُحبنا، وتُداوي جِرحنا، وتغذي أرْواحنا، ونحْن نأْلفُها كثيراً، وهْي كذلك بنفس المشاعر الصَّادقة النَّابعة من القلب، ونسْتمْتع بِصُحْبتها، حينها طأطأ شهاب رأسه، ولم يُحرك ساكناً، وقال لهم ابن الأُريقط، نحْن نعيش بحرية وسعادة وننعم بالدِّفء والآمان، في ظل هذه الأوْضاع تقدم قائد الطيور المهاجرة، وقدَّم الاعْتذار، وأمرهم بالرحيل بعيداً عن برج ازْدهار، فقال الأُريقط: وهو يقلب جناحيه، وقد صاغ عبارات التفاؤل والأمل، ثم ذكَّرهم أن هؤلاء ما هم إلا عيِّنة بسيطة من بني جلْدتنا، فهُناك من لا يسخر بسبب اختلاف الألوان واللهجات، ويتميزون بالتَّواضع، والأخْلاق الطِّيبة، ثم طلب منهم الرُّجوع إلى سابق حياتِهم اليومية.
ولم يمض على رحيل الطيور المهاجرة إلا يومين حتى عادوا من جديد، وكأنهم غيمة شتاءٍ بالأُفق، أخفت قرص الشمس، وهبطوا على عجلٍ، فأسرعت ازْدهار ورمت بما في يديها أعلى الطيور، وهي تقول في كل كبدٍ رطب أجر، فاسْتأنسُوا بقربها، وبذلك ساهمت في حمايتهم من الطيور الجارحة، فأنشد الأُوريقط قائلاً:
السَّيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِب
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ.
19-5-2021
الجزيرة - برج - عائمة.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع