مدونة عبدالحكيم الأنيس


إشراقات حنبلية في العلم والزهد والسلوك

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


12/05/2023 القراءات: 716  


أفرد الإمام أبو الفرج ابن الجوزي (ت: 597) إمامَه الإمام أحمد بن حنبل (ت: 241) بكتابٍ حافلٍ جمع فيه أخباره ومناقبه وفضائله، وختمه بباب ترجم فيه أعيان المذهب الكبار، في تسع طبقات، وهذه طاقة فواحة مِن روض هذا الكتاب النافع:
***
استئذان الأم:
«حدثنا زُهير بن صالح بن أحمد بن حنبل، قال: سمعتُ أَبي يقول: قال أَبي: خرجتُ إلى الكوفة فكنتُ في بيتٍ تحت رأسي لَبِنة فحممتُ، فرجعتُ إلى أُمي ولم أَكن استأذنتُها» .
***
في عافية:
«أخبرنا أَبو بكر بن الخلال، قال: سمعتُ أَحمد بن حنبل، يقول: كنتُ أحفظ القرآن، فلما طلبتُ الحديث اشتغلتُ، فقلت: متى؟ فسأَلت الله عز وجل أَن يمنَّ عليّ بحفظه، ولم أقل: في عافية، فما حفظتُه إلا في السجن والقيود، فإذا سأَلتَ الله حاجةً فتقول: في عافية» .
***
ستة أوصاف ما أعمقها!
قال أبو الفرج في ترجمة إبراهيم الحربي (198- 285): «كان إمامًا في جميع العلوم مُتقنًا، ‌ومصنِّفًا مُحسنًا، وعابدًا زاهدًا، ونقلَ عن أحمد مسائل حسانًا» .
فما أحسن هذه الأوصاف الستة!
***
ملك لسانه:
«بدر بن أبى بدر أبو بكر المَغازلي، واسمه أحمد، إنما لُقِّب ببدر فغلبَ عليه، واسم أبي بَدر المنذر، وكان الإمام أحمد يقدِّمُه ويكرمُه ويقول: مَنْ مثلُ بدر قد مَلك لسانه! وكان صبورًا على الفقر والزهد» .
***
مهر حوراء:
«‌‌زكريا بن يحيى الناقد، يكنى أبا يحيى، كان عابدًا وكان أحمد يقول عنه: هذا رجل صالح، وكان يقول: اشتريتُ من الله تعالى حَوراء بأربعة آلاف خَتمة، فلما كان آخر ختمة سمعتُ الخطابَ من الحَوراء وهي تقول: وفيتَ بعهدك، أنا التي اشتَريتني.
فيُقال: إنه مات عن قريب» .
***
الصلاح والتوفيق:
«‌‌عبدالوهاب الورّاق، جَمع بين العلم والتقى، وقيل لأحمد: مَنْ نَسأل بعدك؟ فقال: سلوا عبدالوهاب، فإنه رجلٌ صالحٌ مثلُه يُوفق لإصابة الحق.
وتوفي عبدالوهاب سنة (251)» .
***
لا يريد سوى الله:
«‌‌علي بن محمد بن بشار، أبو الحسن العالم الزاهد، روى عن أبى بَكر المرُّوذى، وصالح بن أحمد، وكان المشايخ كالبَربَهاري والخَلّال يُعظمونه ويقصدونه، وكانت له كراماتٌ.
وكان يُذكِّر الناس فيفتح كلامه، فيقول: (وإنك لتعلم ما نريد) فسأله رجل: ما الذي تريد؟ فقال: هو يَعلم أني ما أريد من الدنيا والآخرة سواه" .
***
(400) مصنف:
«‌‌أحمد بن جعفر بن المنادي، سمع جدَّه محمدًا، وعباسًا الدُّوري، وأبا داود السِّجستاني، في خلق كثير، وكان دَيّنًا راسخًا في العلم حُجة، صَنّف نحوًا من أربع مئة مصنّف، وتوفي في مُحرم سنة (336) ودُفن في مقبرة الخَيزران» .
ومقبرة الخيزران هي التي دُفن فيها الإمام أبو حنيفة، وهي معروفة.
***
فطر على رغيف:
«‌‌أحمد بن سُليمان أبو بكر النَّجَاد، جمع العلم والزهد، وكانت له حلقة بجامع المنصور، يُفتي قبل الصلاة، ويُملي الحديث بعدها، وصنَّف كتاب "الخِلاف" نحو مئتي جزء، وقد سَمع من أبي داود السجستاني وغيره، وكان يصوم الدهر ويُفطر كل ليلة على رَغيف.
وتُوفي في ذي القعدة سنة (348)، ودُفن قريبًا من بشر الحافي» .
وجامع المنصور ذهب ولم يبق له أثر.
وقبرُ بشر في مقبرة الإمام أحمد التي كانت تُعرف بمقبرة باب حرب، وهي في موقع متنزه المحيط في مدينة الكاظمية.
***
عناية أب:
«‌‌عبدالله بن أبي داود السَّجستاني، طافَ ‌به ‌أبوه شرقًا وغربًا، وأسمعَه الحديث الكثير، وله الحفظ الوافر والتصانيف المشهورة، وحدَّث عن علي بن خَشْرَم، وسَلَمة بن شَيب وغيرهما» .
***
شديد في دين الله:
«‌‌سُليمان بن أحمد الطَّبراني، كان من الحُفاظ، والأشداء في دين الله تعالى، وله التصانيف، وتُوفي بأصبهان سنة (360)، ودُفن بباب مَدينة أصبهان، بجنب قبر حُممة الدَّوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» .
***
توفي مُصليًا:
«‌‌أبو الحسن علي بن الحسين بن جَدَا العُكْبَري، سمع من أبي علي بن شهاب، وأبي علي بن شاذان، وكان فقيهًا صالحًا فصيحًا.
وتوفي ‌فجأة في الصلاة في رمضان سنة (468)، ودفن في مقبرة أحمد» .
***
متقن متورع متثبت:
«‌‌أبو منصور موهوب بن أحمد الجَواليقي، سمع الحديث الكثير، وانتهى إليه علمُ اللغة، وكان ‌مُتقنًا في علمه، متورعًا في نطقه، شديدَ التثبت في قوله.
وتوفي في محرم سنة (540)» .
فما أحسنَ هذه الأوصاف الثلاثة، وما أشد حاجة العلماء إلى التخلُّق بها!
***
الباب المفتوح:
«‌‌أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن الطّلّاية، كان كثيرَ التعبُّد حتى انطَوى، وكان رأسُه إذا قام عند ركبتيه.
وحدثني أبو الحسن بن غريبة، قال: جاء إليه رجل، فقال له: سَل لي فُلانًا في كذا، فقال: يا أخي، قُم معي نُصلي ركعتين ونسأل الله تعالى، فأنا لا أتركُ بابًا ‌مفتوحًا وأقصدُ بابًا مغلقًا، وتوفي في رمضان سنة (548)، ودُفن بمقبرة أحمد» .
***
حلم وتواضع لا نظير له:
«‌‌أبو حكيم إبراهيم بن دينار النَّهْرواني، لقي أبا الخطاب الكلواذيّ وغيره من المشايخ، وتفقَّه وناظر وسمع الحديث الكثير، وكانت له في علم الفرائض يدٌ حسنة، وكان من العلماء العاملين بالعلم، وكان كثير الصيام والتعبُّد، شديد التواضع، مؤثرًا للخُمول، وكان المثل يضرب بحلمه وتواضعه، وما رأينا له نظيرًا في ذلك.
توفي في يوم الثلاثاء ثالث عشري جُمادى الأخرة في سنة (556)، ودفن بُكرة الأربعاء قريبًا من بشر الحافي» .
***
تدريس وتذكير:
«‌‌عبد القادر بن أبي صالح الجِيلي، تفقَّه على أبي سَعد المُخَرِّمي، وسمع الحديث، ثم لازم الانقطاعَ عن الناس في مدرسته مُتشاغلًا بالتدريس والتذكير، وبلغ من العمر تسعين سنة.
وتوفي في ليلة السبت ثامن ربيع الآخر من سنة (561)، ودفن بمدرسته» .
ومدرسة الشيخ ما تزال قائمة، وقبره فيها.
***
كتب كثيرة وسيرة منيرة:
«‌‌أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن العطار الهَمَذاني، له المعرفة الحَسنة بالقراءات والأدب والحديث، وسافر في طلب العلم، وحَصَّل الكتب الكثيرة، وهو مشهودٌ له بالسيرة الجميلة.
وتوفي في سنة (569)» .
***


العلم. الزهد. السلوك. الحنابلة. بغداد.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع