اجتناب العنف الأسري في نصيحة سماحة السيد المرجع السيستاني (دام ظله)
محمد كاظم حسين الفتلاوي | Mohammad
02/02/2025 القراءات: 8
#اجتناب العنف الأسري في نصيحة سماحة السيد المرجع السيستاني (دام ظله)مقاربة مع المنهج التربوي الإسلامي المنهج التربوي الإسلامي يهدف إلى إقامة أسرة مثالية تقوم على المحبة، والمودة، والصلة، غير أنه قد تطرأ على الأسرة عقبات تُعكِّر صفوها، وتعصف باستقرارها، ومن هذه العقبات ظاهرة العنف الأسري التي أصبحت حدثًا يوميًّا مؤلماً في مجتمعاتنا المعاصرة، تؤرق منامها، وتعترض سبيلها في تربية الأجيال الصالحة الذي تستمد منه الأمة حيويتها وآمالها في الحياة. ونظرًا لخطورة ظاهرة العنف الأسري على الأسرة والمجتمع، وهي ظاهرة اجتماعية سيئة منتشرة في المجتمعات الإنسانية منذ تاريخها القديم وحتى المعاصر منها، ولا يمكن إغماض العينين عنها، حتى لا تتعاظم معدلات ارتفاعها، ويعمق خطرها المؤثر على أمن واستقرار الأُسرة والمجتمع كان لنا هذا التأمل في نصيحة سماحة السيد المرجع السيستاني (دام ظله) للشباب المؤمن ودعوته الى إعمال الحكمة في التعامل مع أفراد الأسرة رعاية لكيانها وحفاظاً على المجتمع، فقال سماحته: (وليتجنّبوا العنف والقسوة حتّى فيما اقتضى الموقف الحزم رعايةً للحكمة وحفاظاً على الأسرة والمجتمع)(1). فنلحظ سماحة السيد المرجع ينصح الشباب المؤمن في الابتعاد عن أسلوب العنف في مجالات الحياة الأسرية حتى في الموارد التي يكون فيها الحزم أولى، وكل ذلك تجنباً لتداعيات العنف، ويوصي الى إعمال منطق الحكمة. نعم؛ ان نظرة عابرة الى واقع الحياة العائلية لرأينا أنّها حقيقة بحاجة ماسة لهذا النوع من التعامل كي تعيش بحيوية وقوّة لتعطي نتاجها المتوخّى المتمثّل ببناء البيت الهادئ السليم، والذي يكون نتيجته إنسان سوياً مادّياً وروحياً وخلقياً. وعليه ان يكون الزوج في سلوكه منطلقاً من القواعد والأُسس التربوية التوجيهية، ولتحقيق هذا الدور لابدّ من التحرّك بمنطق اللين والحكمة واللطف في البداية، دون منطق الغضب والعنف والقوّة، الذي لا مجال لاعتماده مع أفراد الأسرة، إلّا حين ينحصر به العلاج، ويكون آخر الدواء وهذا نادراً ما نلجأ إليه إذ ان أدوات وأساليب العلاج أكثر مما ان نستنفدها في التربية. من هنا لا مجال لاعتماد أسلوب العنف والقسوة مع الأبناء مهما كانت الدوافع؛ ففي الكثير من الحالات لا يعطي النتائج المتوخاة؛ بل ربما ينعكس سلباً على كلّ واقع حياتهم أو حياة الآخرين ممن يعايشه. فأسلوب العنف والقسوة قد يخلق عُقدة حادة في حياة أفراد الاسرة تجعل كلّ الواقع لديهم معقّداً صعباً، ومن الطبيعي أنّ المطلوب في مجال التربية الحسنة هو تحقيق النتائج من خلال الدخول إلى نفس الأولاد وترويضها خُلقياً، لا بطريقة العنف والقسوة، وهذا ما أكد عليه المنهج التربوي الإسلامي في نصوصه وارشاده في ان يكون التواصي بالرحمة عند التعامل فيما بين المؤمنين، وأفراد الأسرة المسلمة بطبيعة الحال من المؤمنين الذين يوجه إليهم الخطاب القرآني، ومنه ان وصف الله سبحانه المؤمنين عامة بأن تعاملهم هو تعامل الرحمة البعيد عن العنف، فقال عز وجل عنهم: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ(2)، وهذا التعامل الرحيم اللطيف نابع (من خلال روحانية الإسلام الذي يشدّ جميع الناس الى بعضهم البعض، ليكونوا كالجسد الواحد، تتفاعل المعاناة بين أعضاءه، وتنساب الرحمة في كل خلاياه، انطلاقاً من الخط الاجتماعي الذي أراده الله للمؤمنين أن يسيروا عليه في بناء علاقاتهم الاجتماعية، وهو خط التواصي بالمرحمة، بكل ما يعنيه ذلك من تبادل المشاعر الرحيمة والأحاسيس الحميمة والتكافل الاجتماعي)(3). وكذلك أكدت سُنة المعصوم ع على هذا الخُلق اللين والتعامل الرفيق الرحيم بين المسلمين عامة وأفراد الأسرة المسلمة خاصة، فقد ورد عن رسول الله: (مَن كانت له ابنة فأدّبها وأحسن أدبها وعلّمها فأحسن تعليمها فأوسع عليها من نعم الله التي أسبغ عليه كانت له منعة وستراً من النار)(4)، وقوله ص: (احبّوا الصبيان وارحموهم)(5)، وقوله ص: (مَن كان له صبي فليتصاب له)(6). وهذه النصوص الشريفة واضحة الدلالة على ان التعامل مع أفراد الاسرة يكون بأسلوب اللين والحكمة والرفق وهذا الاسلوب بطبيعته هو خلاف أسلوب الشدة والقسوة، وهو قبل ان يكون تربية للأولاد ورعاية لهم فهو في حقيقته تربية للأب على الأخلاق الحسنة والاسلوب الحكيم في التعامل مع أفراد أهل بيته جميعاً. كما ان بعض النصوص الشريفة وبّخت من لم يكن تعامله اللين والحكمة مع أفراد اسرته، ومن ذلك ان كان رسول الله ص يُقبل الحسن والحسين فقال أحدهم: إن لي عشرة ما قبّلت واحداً منهم قط فغضب رسول الله ص حتى التمع لونه وقال للرجل: (إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك فما أصنع بك! من لم يرحم صغيرنا ولم يعزز كبيرنا فليس منا)(8). فهذا رسول الله ص هكذا كان تعامله بالحكمة واللين بعيداً عن العنف والقسوة وهو حجة الله علينا إذ قال سبحانه: (لَقدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ(9)، أي قدوة صالحة لكل مسلم رام حياة سعيدة ورضوان الله تعالى(10). وإلى غير ذلك الكثير من كلمات الرسول ص الداعية إلى التعامل الطيب الحميد الممزوج بالحكمة واللين مع أفراد الاسرة، فبهذا الشعور بالمسؤولية تشيع المحبّة والعاطفة لا من خلال الشدة والعنف، وهذا جوهر نصيحة سماحة السيد المرجع للشباب المؤمن النابعة من المنهج التربوي الإسلامي الأصيل المتمثل بمصدرية العظيمين الكتاب العزيز والعترة الطاهرة ع. الهوامش: ( ) نصائح سماحة السيد السيستاني للشباب المؤمن، ص25. (2) الكافي، الكليني، ٢/١١٩. (3) تفسير من وحي القرآن، محمد حسين فضل الله، 21/128. (4) سورة الفتح، الآية: 29. (5) بحار الانوار، المجلسي، 104/93. (6) ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ٤/٣٦٧٠. (8) المصدر نفسه، ٤/٣٦٧٠. (9) سورة الاحزاب، الآية: 21. (10) ظ: مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي، 9/449.
العنف، تربوي، السيد السيستناي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع