مدونة البرفسيور محمد عبد الرحمن يونس


منظومة الفساد والاستبداد في الجامعات العربية المعاصرة الجزء الثاني ( 2 من 3)

البروفسيور محمد عبد الرحمن يونس | professor : Mohammad Abdul Rahman Younes


18/01/2023 القراءات: 941  


منظومة الفساد والاستبداد في الجامعات العربية المعاصرة
الجزء الثاني ( 2 من 3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أ‌. د. محمد عبد الرحمن يونس
Professor . Mohammad Abdul Rahman Younes


وهناك ظاهرة أخرى خطيرة تسهم في تخلّف التعليم العالي في وطننا العربي، وهي لجوء بعض أساتذة الجامعة إلى السرقات الأدبيّة، إذ يسطون على أبحاث غيرهم، وينشرونها بأسمائهم. و في ظلّ هكذا أجواء يطفو على السطح الأستاذ الجامعي الهزيل علميا، غير المعطاء، و يتراجع الأستاذ الجامعي المبدع الباحث النشيط، ويصاب بالخيبة و الإحباط.
إنّ تدني مستوى التعليم العالي في وطننا العربي يرتبط جدليا ببنية المجتمعات العربيّة المعاصرة سياسيا وأخلاقيا واقتصاديا اجتماعيا وثقافيا، فإذا كانت بعض الجامعات العربية تقدّم إلى أعضاء هيئة التدريس فيها رواتب مغرية تكفيهم متطلبات الحياة ، من مأكل ومشرب وملبس ونفقات عديدة، فإنّ كثيرا من الجامعات الأخرى تقدم لهم رواتب هزيلة لا تسدّ أبسط حاجاتهم الحياتية الضرورية، فكيف بالكمالية الترفيهيّة؟ وفي ظلّ هكذا رواتب هزيلة لا يستطيع الأساتذة شراء المصادر والمراجع التي تخدمهم في أبحاثهم، ولا يستطيعون التواصل العلمي مع ما تفرزه معطيات الحضارة الجديدة في أفقها المعرفي و الحضاري، ومن هنا يلجأ بعض ضعاف النفوس من الأساتذة إلى قبول الرشاوى بأشكالها كافة، غير أنه ينبغي القول أن هناك بعض الأساتذة ـ ومهما علّت رواتبهم ـ يقبلون الرشاوى دون خوف و لا وجل لا من عقوبة وظيفية، و لا من الله عزّ وجلّ يوم لقاء وجهه الأعظم، وقبولهم هذا يسهم بدوره في تكوين جيل من الطلاب عابث، لا مبال، مغرور، عديم الاكتراث بالدراسة والبحث، والتحصيل العلميّ، فإذا كان هذا الطالب أو ذاك قادرا على النجاح في مقرر ما من المقررات الدراسيّة عن طريق شراء ذمّة الأستاذ الجامعي وضميره المهني، فلماذا يتعب نفسه بالبحث والتحصيل العلمي المعرفي؟
وليس الطالب في جامعاتنا العربية بأفضل من الأستاذ الجامعي، بل هو أسوأ منه ، لأنه من داخل الوسط الاستبدادي المكرّس في هذه الجامعة أو تلك يلجأ هذا الطالب إلى أساليب غير نظيفة للحصول على الدرجة والنجاح من دون أي جهد علمي أو معرفي، إذ يلجأ إلى الغشّ في الامتحانات، وبأساليب مبتكرة وحديثة، ويحوّل نفسه من طالب علم ومعرفة إلى بلطجي في بعض الأحيان، إذ يقوم بتهديد الأستاذ الجامعي، إن قام هذا الأخير بترسيبه في مادته، ويلجأ بعض ضعاف النفوس من أساتذة الجامعة إلى أن يشكلوا حولهم عصابة من الطلاب السيئين المتخلفين علميا، و الفاشلين دراسيا، ويحثونهم على إيذاء زملائهم الذين يختلفون معهم فكريا أو منهجيا، أو رؤية أو تصورا للحياة والكون والعالم، ويجيزون لأنفسهم في بعض الأحيان أن يكونوا ضيوفا ثقلاء على موائد هؤلاء الطلاب، ويتورطون في نقل ما يدور في اجتماعات أقسامهم لهؤلاء الطلاب، بل يبلغ بهم الانحطاط الأخلاقي إلى قبول أبسط رشوة من هؤلاء الطلاب، كأن تكون مبالغ مالية، أو وجبات طعام تنقل إلى منازل هؤلاء الأساتذة سرا أو علنا، ويعمل بعض هؤلاء الأساتذة أحيانا على تسخير هؤلاء الطلاب كأن ينقلونهم وزوجاتهم وأولادهم من مدينة إلى مدينة بعيدة أخرى، وذلك بسياراتهم الخاصّة.
و يسهم في تخلّف التعليم العالي في الوطن العربي أن هناك بعض الجامعات العالمية الأجنبية, العربية المعروفة، تعطي درجات الماجستير و الدكتوراه لغير مستحقيها، أو تبيع هذه الشهادات أحيانا للطلاب العرب، فيعود هؤلاء الطلاب إلى بلدانهم بأبحاثهم المسروقة أو المزوّرة، ليصبحوا أعضاء هيئة تدريس في جامعات بلدانهم، فكيف لهم أن يسهموا في تطوير التعليم العالي؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه ، وهؤلاء يفتقدون إلى المعارف الأساسية و الضرورية في تخصصاتهم العملية لأنهم أخذوا شهاداتهم بطرق ملتوية وغير شرعيّة.
ومن أهمّ أسباب ضعف التعليم العالي في جامعاتنا العربية وتراجعه أن هذه الجامعات لا تقيم ميزان العدل والمساواة بين أعضاء هيئة التدريس، إذ تقرّب هذه الجامعات الموالين لها و المطبّلين، والنافخين بأبواق رؤساء الجامعات و عمداء الكليات ورؤساء الأقسام، وتبعد جميع المنتقدين لها، باعتبارهم معارضين، و تتهمهم بالمشاغبين أحيانا، وبأصحاب المشاكل، وبالمارقين عليها.
يليه البقية في الجزء الثالث


بروفيسور يونس، جامعات ، فساد جامعي، جامعات معاصرة