مدونة محمد كريم الساعدي


أفلاطون وجماليات عالم المثل/ الجزء الأول

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


03/02/2023 القراءات: 808  


يعد (أفلاطون 428 ق.م – 347 ق.م) من أهم تلامذة (سقراط) ، وتعلم على يديه الكثير من الممارسات الفلسفية وخاصة بعد أن أفتتن بشخصية أستاذه وهو في العشرين من عمره ، لما لـ(سقراط) من تأثير على الشباب في (أثينا) ، وفي مقدمتهم (أفلاطون) الذي ينتمي الى أسرة أرستقراطية يونانية .
أوجد (أفلاطون) فلسفة واسعة الملامح نظّر من خلالها في أنواع مختلفة من المعارف الإنسانية ،وجاءت أغلب فلسفته على شكل محاورات قدم فيها منهجه الفلسفي الذي حاول الأبتعاد عن الأسلوب المباشر لأستاذه (سقراط) الذي أعدم بسببه.
أراد (أفلاطون) من محاوراته أن يجمع فيها وجهات نظره على مر مراحل حياته ، فمحاوراته لم تأتي كلها دفعة واحدة ، بل قدمها على ثلاثة مراحل ، الأولى في شبابه ، والثانية في بلوع ، والثالثة في أيام عمره المتقدمة ، وتتألف هذه المحاورات " من (28) حواراً يتمتع أثنان منها بمقاييس مؤلف حقيقي (الجمهورية والقوانين) ومن رسائل تروي السابعة والثامنة منها مغامرات (أفلاطون) السياسية في (صقلية) .إنَّ الجمال الأدبي للحوارات التي تعكس شخصية (سقراط) وتتناولها ، فضلاً عن تلامذته مثل (فيدون وثيتان، وجنود مثل لاشيه وسفسطائيين مثل جورجياس، حتى فلاسفة كبار مثل بارمنيد ، وزينون ، الخ ...) يتداخل مع الفكر الفلسفي ، حيث أن طريقة الأسئلة والأجوبة هي الطريقة الوحيدة التي من شأنها أن تدفع المرء فعلاً الى التفكير يسمح توجيه الأسئلة للإنسان بأن يلد فكرياً (هذا هو التوليد) ويثير تضارب الآراء للاهتمام بالحقيقة (وهذه هي الجدلية ) " (1). وهذه المحاورات قد تضمنت من المعارف الفلسفية ما هو حافل بتوليد الأفكار وجدليتها مع حقيقة ما يهدف اليه (أفلاطون) في فلسفته، ولم تأتي هذا الممارسات الفلسفية عنده من فراغ ، بل من خلال عمل وتجارب خاضها وخبرها في الحياة وأكسبها البعد التأملي الذي تميز به فلسفياً من خلال أفكاره في المعرفة والمثل والطبيعة والوجود والأخلاق وغيرها من النظريات التي حاول جاهداً أن يبحثها ويصل من خلالها الى مفاهيم وتطبيقات على المستويين النظري والعملي، وواحدة من هذه النظريات التي قدم لها (أفلاطون) ملامح فلسفية نظرية على وفق دراسة الأطر التطبيقية هي نظريته في الجمال المنطلقة من نظريته في (المُثل) ، والأخيرة حقائق كلية ثابتة موجودة بالفعل وجوداً خارجياً ومفارقاً ومستقلاً عن الإنسان ، في الوقت ذاته هي مصدر للمعرفة وعلة لها مثلما هي مصدراً لوجود الأشياء في العالم المحسوس وعلة له . إنَّ العلاقة بين عالم المثل والمحسوسات تتشكل على وفق ترتيب هرمي في قاعدته " توجد الأشياء المحسوسة في مظهرها الخارجي ، ثم تعلوها المعرفة العقلية المتصلة بالأفكار المادية ، ثم الأفعال وأنواع السلوك والأحداث والحركات ، بما لها من سمو عن الجسم ، ثم يأتي بعد ذلك النفوس الحقة ، وتتلوها ذوات الأجسام ، ثم ذوات النفوس ذاتها التي تلي الأفعال ، ثم تعلو هذه الذوات المعارف الخالصة النظرية العقلية ، المجردة عن كل مضمون أخلاقي ، وأخيراً تتربع الصور تتوجها المثل الرئيسية التي يسميها المحدثون بالقيم " (2) .
إنَّ المُثل الأفلاطونية ليست بظاهرة كالمحسوسات وجزئياتها في الواقع المرئي المسموع مثل نظام حسي اشتغالي يتعامل معه الإنسان يومياً على أساس حاجياته وما يريد أن يكون عليه في ظاهر الأشياء المحسوسة ، بل أن المثل هي نظام كلي يحتوي على جميع ما يمكن أن نتصوره لأشكال حسية متعددة في الواقع لنوع واحد مثل الزهرة وصورها المختلفة والمتنوعة والمتعددة ، التي تعود الى حقيقة كلية لمفهوم الزهرة على الرغم من اختلافها الوجودي في نظر المشاهد . وهنا نتسائل عن الجمال؟ ، وما هي المعرفة الجمالية الأفلاطونية في هذا المجال؟ ، ونعيد الحديث عن الزهرة كما في المثال السابق فنقول الافتراض الآتي : " أن أحد أجاب بإن علة الجمال في الزهرة هو شكلها ، أو لونها ، أو رائحتها ، فإنه لا يعطينا سبباً لهذا الحمال ، لأن الشكل ،أو اللون ، أو الرائحة قد تكون سبب قبح في أشياء أخرى غير الزهرة . إذن، فعلة الجمال في الاشياء ترجع الى مثال الجمال وماهيته ومن ثم فالحقيقة تكمن في (المُثل) وليس في المحسوسات التي تمثل الظاهر" (3).


جمال ، المثل


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع