مدونة حسين سالم مرجين


تحديات الاستثمار الزراعي في المناطق القبلية : مفارقات اجتماعية وثقافية

حسين سالم مرجين | Hussein Salem Mrgin


06/10/2024 القراءات: 29  


قدمت مداخلة في ورشة عمل حول : الموارد الزراعية وفرص الاستثمار المتاحة لتنمية الإنتاج الزراعي، والتي عُقدت يوم السبت الموافق 5 أكتوبر 2024، في إحدى المناطق الواقعة خارج العاصمة طرابلس. وتُعتبر هذه المنطقة من المناطق قبلية التي تتميز بتركيبتها الفريدة، مما يؤثر على التوجهات الاقتصادية الاجتماعية فيها. خلال الورشة، تناول بعض الباحثين موضوع الموارد المائية، بينما كانت هناك مداخلات أخرى تتعلق بالشراكة بين القطاعين الخاص والعام، بالإضافة إلى تحديد فرص الاستثمار المتاحة في المنطقة.
ومع ذلك، كان من الملحوظ أن الجانب الاجتماعي في هذه الورشة كان مفقودًا، بالرغم من كونه يعد أحد أهم الجوانب التي تساهم في نجاح أي استثمار . لذلك طلبت فرصة لتقديم مداخلة سريعة، حيث ركزت على بعض الجوانب المسكوت عنها والتي تستحق التحليل.إلا أن المداخلة لم ترق إلى المسؤولين عن الورشة، مما
أظهر عدم تقبل البعض للنقد أو الاقتراحات التي تتناول القضايا الاجتماعية والاقتصادية بشكل صريح.
إن التركبية السكانية للمنطقة تغلب عليها الهوية القبلية، مما يعني أن نمط الحياة يعتمد بشكل أساس على الرعي أوبعض الزراعات المحددة مثل زراعة القمح أو الشعير، بالإضافة إلى الأشجار المثمرة مثل الزيتون أو التين أو النخيل . وهذه العوامل تؤثر بشكل كبير على مدى قبول السكان لأي مشاريع زراعية جديدة .
تعكس هذه العوامل أيضًا تحديات كبيرة في محاولة تغيير نمط الحياة من الرعي والزراعات المحدودة إلى الفلاحة بشكل أوسع. إن الاعتماد على الرعي والزراعات المحددة هو جزء من الهوية الثقافية للسكان، مما يجعل التحول إلى الزراعة أو الفلاحة تحديًا اجتماعيًا يتطلب وقتًا وجهدًا.
لذا، يجب أن يُؤخذ في الاعتبار أن أي مشروع زراعي يجب أن يكون مصممًا بشكل يتماشى مع القيم والعادات المحلية. أن التواصل الفعال مع المجتمع المحلي واستيعاب احتياجاتهم يمكن أن يساهم في نجاح أي مشروع زراعي.
تستدعي طبيعة المنطقة أن نشير إلى أنها ليست مثالية للزراعة، بل توفر فرصًا محدودة جدًا. هذه الخصائص الجغرافية والمناخية تعيق تطوير المشاريع الزراعية ناجحة، مما يحد من إمكانية تحقيق التنمية المستدامة في هذا القطاع. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الفشل في المشاريع الزراعية السابقة التي تمت تحت إشراف الدولة علامة فارقة، حيث يمكن أن يؤدي إلى فقدان الثقة بين السكان المحليين. وهذا بدوره يجعلهم أكثر ترددًا في قبول أي استثمار جديدة.
وهنا تتجلى أهمية دراسة أسباب فشل المشاريع الزراعية السابقة في عدة جوانب حيوية، مما يساعد على تجنب تكرار الأخطاء، واتخاذ خطوات استباقية لتفاديها، مما يزيد من فرص النجاح، وهذا يعني إمكانية صياغة خطط استثمارية أكثر فعالية تأخذ بعين الاعتبار العوامل المحلية والبيئية والاجتماعية التي قد تؤثر على نجاح المشروع.
علاوة على ذلك، تعتبر الأراضي القبلية جزءًا من الهوية والملكية الجماعية للسكان. هذه الديناميكية تجعل من عملية التنازل عن الأراضي تحديًا كبيرًا. حيث أن التغيير في ملكية الأرض قد يُعتبر تهديدًا للتراث الثقافي والنمط الحياتي الذي اعتاد عليه السكان. يمكن أن تؤدي هذه الإشكاليات الى صراعات داخلية بين أبناء المنطقة، حيث يتنازع الأفراد والمجموعات على حقوق ملكية الأراضي .
عموما أود أن أرصد عددًا من المفارقات المهمة والتي قد تظهر في هذا السياق :
• قد يتم تقديم استثمارات زراعية كحل للمشاكل الاقتصادية التي تواجه المنطقة، لكن الواقع الاجتماعي والتاريخي قد يقاوم هذه الحلول. فالأهالي قد يرون في هذه الاستثمارات تهديدًا لهويتهم ونمط حياتهم التقليدي.هذا الوعي الجماعي يدفع السكان إلى التردد في قبول أي تغييرات قد تؤثر على طريقة نمطية حياتهم.
• قد تكون هناك مصالح متضاربة، حيث يسعى المستثمرون لتحقيق عوائد سريعة، بينما يسعى السكان المحليون للحفاظ على نمط حياتهم التقليدي. هذا التناقض يمكن أن يؤدي إلى نزاعات وصراعات حول كيفية استخدام الأرض والموارد.
• التحولات السريعة في نمط الحياة قد تؤدي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي في المنطقة. هذه التحولات قد تسبب توترات وصراعات داخل المجتمع المحلي.حيث يشعر الأفراد بفقدان السيطرة على مصيرهم وحياتهم اليومية.
إن معالجة هذه القضايا تتطلب وعيًا عميقًا بأهمية الجوانب الاجتماعية والثقافية في أي مشروع زراعي يتعين على المستثمرين وصناع القرار العمل على بناء علاقات ثقة مع المجتمع المحلي واستيعاب مخاوفهم وفهم احتياجاتهم وتوقعاتهم، وهذا يعني ببساطة تحقيق توزان بين فرص الاستثمار والواقع الاجتماعي والثقافي في المنطقة من أجل تحقيق تنمية مستدامة تعود بالنفع على الجميع.


الاستثمار الزراعي - مناطق قبلية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع