الفلسفة والعلمانية: ديكارت(1)
محمداحمدمحمود | MOHAMED AHMED MAHMOUD
19/11/2022 القراءات: 784
خلال القرن17، 18 بدأ بعض الفلاسفة، فى وضع اطروحاتهم وتصوراتهم الفلسفية، التى أصبحت من أهم المرتكزات المعرفية فى بناء الدولة العلمانيةفى الغرب ، وتجاوزاً لتحديد مفهوم العلمانية الغير مستقر لتداخلة وتقاطعه مع العديد من المصطلحات الأخرى، سنتناول فى هذا المقال والمقالات التالية أفكار وتصورات الفلاسفة التى ساهمت فى تأسيس العلمانية، وقد خصص هذا المقال لعرض أفكار ديكار ت الفلسفية، التى عملت على احياء النزعة العلمانية فى الغرب حيث بدأ ديكارت بتأسيس لوجوس جديد ينبذ المنطق الأرسطى ويرفضه، باعتبارة عقيم، ولا يفيد المعرفة، ومن ثم بحث عن منهج جديد يقودة الى المعرفة اليقينية، ومن أجل تحقيق هذا الهدف طبق الشك المنهجى كأداة للوصول الى المعرفة، فوضع جميع الآراء والمعتقدات والأفكار موضع شك، فرفض المعرفة الظاهرية المستمدة من الحواس، كما رفض المعرفة المستمدة من سلطة الكنيسة، وعمل على تأسيس معرفة جديدة، على أساس العقل والحدس وعبر عن ذلك بقوله المأثور: (( أنا أفكر إذن أنا موجود)) مطبقاً هذه المقولة على ذاته، ليثبت أن شكوكة فى وجودة يثبت أنه موجود، ذلك أنه لا يمكن الشك فى شىء إلا اذا كان موجوداً، معتبراً التفكير نوع من الشك والفهم أو الاثبات والنفى، أو الاحساس والتخييل، أو بتعبير مارتن هيدجرالتفكير فى العالم والوجود بالقرب من الأشياء، ومثول الفكر أمام ذاته فى العالم. وتساءل ديكارت ما المعرفة اليقينية؟ وما المنهج المعتبر للوصول اليها؟ وماهى القواعد الأساسية للوصول الى الحقيقة؟ فوجد ان المعرفة اليقينية هى المعرفة المتطابقة مع العقل، لذلك رفض المعارف المستمدة من الحواس، لإنها لا تنتج معرفة يقينية وقد يجانبها الصواب كثيراً فى الحكم على الأشياء، ورأى أن المنهج الاستنباطى هو أكثر المناهج يقيناً وبرهاناً من حيث استقرار النتائج، و فى كتابه " مقال عن المنهج" وضع أربعة قواعد أساسية يجب الالتزام بها للوصول الى الحقيقة وهى:
1- قاعدة اليقين: وهى عدم التصديق بشىء ما على انه حق، مالم أكن أعرف يقيناً انه كذلك ولا أتهور أو أتسرع فى الحكم على الأشياء قبل أن أُحكم عقلى فيه.
2- قاعدة التحليل: وهى تقسيم المشكلة الى أجزاء بسيطة بحيث يسهل حلها.
3- قاعدة التركيب: وهى ترتيب وتنظيم الأفكار والأشياء من البسيط الى المركب، والتأليف بين عناصرها للوصول الى النتيجة.
4- قاعدة الاستقراء: وهى القيام بالأحصائيات والمراجعات الشاملة والتأكد من عدم اغفال أى جانب من جوانب المشكلة.
وتأسيساً على ماسبق، كانت فلسفة ديكارت العقلية ومنهجه، سبباً فى تحويل ثقة الأوربيين العمياء فى الكتب المقدسة الى خلخلة ثقتهم فيها ونقدها نقدداً عقلياً، باعتبار أن العقل هو أعدل الأشياء قسمة بين الناس، ومن خلاله يمكن الوصول الى المعرفة والحقيقة الدينية، وبذلك يكون العقل قد ارتقى مكانة فوق مكانة النص الدينى، وهذا شجع الكثير لدراسة العقائد المسيحية دراسة عقلية نقدية. كما أن مقولة (انا أفكر إذن أنا موجود) قد أكدت على مبدأ الفردية لأن مسألة وجود الله تخضع هنا للذات المفكرة دون وساطة الكنيسة الدينية، لأن معرفة الله تكون عبر العقل ولا شىء غيره، والتأكيد على رفض التفسيرات الدينية المرتبطة بتعاليم الكنيسة قبل اخضاعها للعقل.
فصلت فلسفة ديكارت بين المادة والروح، وطبقاً لمقولة: ( أنا أفكر اذن أنا موجود ) استنتج ديكارت من ناحية ضرورة تجاوز فكرة امتزاج الفعل الناسوتى بالفعل اللاهوتى، وتبع ذلك فصل المعرفة البشرية عن المعرفة الإلهية لأن الله خالق الانسان والحقيقة متعال ومفارق للعالم الذى خلقه،ومن ناحية اخرى أكد ديكارت على ضرورة التمييز بين النفس(الروح) والجسم، كون النفس مجردة، وجوهر، بينما الجسم محدد، وداخل فى الامتداد، ورأى ديكارت أن الانسان يعيش فى الامتداد وقادر على القيام بأفعالة، كما أن الله خلق الأشياء واعطاها نظامها الخاص، ويترتب على ذلك اننا لن نستطيع دفع أو تغير أى شىء أو أمر فى النظام الراسخ منذ البداية حتى لو كنا نصلى لله ونعبده.
أثرت تصورات ديكارت حول السياسة والدولة بشكل كبير بالرؤية العلمانية للدولة، حيث رأى أن الدولة تقوم على العقل الانسانى، وأن الفرد هو الأصل فى بناء الدولة، وأن لكل فرد له شخصية تختلف عن الآخرين، ولكل فرد مصالحه الخاصة التى تختلف مع الآخر، ومع ذلك فإن كل فرد يمثل جزء من الأرض والدولة والمجتمع والعائلة، وهو بذلك يكون قد أسس مفهوم الدولة على أسس فردية متجاهلا كل الآراء التى ترى أن سبب نشوء الدولة هو الأسرة أو القبيلة. وكان ديكارت معجباً بكتاب الأمير لميكافيللى، فهو ان كان لم يبدى أى تحفظاً على وجود الدولة كأصل، إلا انه انتقد بعض آراء ميكافيللى ومن بين هذه الانتقادات: ان ميكافيللى لم يضع جداً فاصلاً بين ممن حازوا السلطة والحكم بطرق شرعية، وغيرهم ممن وصل الى سدنه الحكم بالاغتصاب وبطرق غير شرعية، ولم يميز بشكل صحيح بين الرعية والأصدقاء والحلفاء والأعداء، حيث جعلهم جميعاً فى مرتبة واحدة وتعامل معهم بطريقة واحدة وهو مايخالف العقل، وكل ذلك يؤسس لمفهوم الدولة الأستبدادية، وهو ما رفضه ديكارت.
ديكارت، العلمانية، الفلسفة، الروح والمادة.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع