مدونة جيهان رشاد


تحديات من العيادة النفسية: التشخيص النفسي الذاتي ( المفهوم / المخاطر / الوعي النفسي )

جيهان رشاد | gahan rashad


02/06/2023 القراءات: 509  


الثورة المعلوماتية أسهمت في انتشار المعلومات المتعلقة بالصحة النفسية والعقلية واضطراباتها علي مواقع التواصل الاجتماعي ، وعلى الرغم من أن هذا الانتشار له وجه إيجابي من حيث نشر الوعي الثقافي حول الصحة النفسية ، لكنه لا يخلو من وجة سلبي ضار جداً من حيث نشر المعلومات المضللة عبرغير المؤهلين وغير المختصين للحديث عن وتقديم الارشاد أوالعلاج النفسي وتطبيق الاختبارات النفسية السطحية دون أي أساس علمي لها بغرض التعرف على نمط الشخصية والاعراض المرضية والتشخيص الطبي .
تلك الممارسات غير العلمية نطلق عليها " تعميم المعلومات المضللة " وهوما يرتد سلبياً على واقع صحة الفرد والمجتمع معاً، فمن الظواهر الشائعة في العصر الحاضر داخل العيادة النفسية أن يأتي العميل للمقابلة الاولي وهو يحمل : التشخيص الذاتي" Psychological Self-Diagnosis" حيث قام بالبحث عن المعلومات والاعراض ووصف حالته النفسية واختار الدواء وأسلوب العلاج ، بل بعض الحالات تقوم باللجوء الى الصيدلي وتتناول الدواء بدون وصفة طبية والبعض الآخريلجأ إلي كتب أوممارسي التنمية البشرية والتطبيقات الالكترونية .
وهي ممارسات ذاتية تزيد من مشاكلهم تعقيداً بدلاً من حلها وتضاعف من جهود الطبيب أو المعالج النفسي فيما يسمي " جدال التشخيص الذاتي مع العميل أو أسرته " حيث نجد رفض العميل أو الاسرة للتشخيص العيادي والتمسك بالتشخيص الذاتي وتبدو سلوكيات ضعف الثقة في المختصين واضحة فـ( الذهاب لعيادات متعددة من نفس التخصص أو ذات تخصصات مختلفة ، الانقطاع بعد المقابلة العيادية الاولي ، البحث عن مزيد من المعلومات في المراجع والمعلومات عبر الانترنت ذاتياً )
فالمريض داخل العيادة النفسية يسعي لإقناع الممارس النفسي بما يعاني منه أي بـ" تشخيصة الذاتي لنفسه" واصبح غير مستعد للتخلي عن هذا التشخيص الذاتي في حال قدم له تشخيصاً مختلفاً من المعالجين المهنيين حيث تشخيصهم العيادي يقابل بالرفض والنفور والتشبث والإصرار إذا ما تعارض مع التشخيص الذاتي.
والعديد من العملاء والأسر ترغب في اختصار وقت التشخيص العيادي الذي يستغرق من جلستين إلي 4 جلسات حسب نوع الحالة والعمر ومستوى تعاون العميل مع المختص إلى دقائق بسبب وجود التشخيص الذاتي مما يؤثر سلبياً على مسار العلاج ، فجهود الممارس النفسي هنا تبدأ بـ إقناع المريض والاسرة بالبراهين والأدلة " الدحض والتفنيد للتشخيص الذاتي" وفهم آليات الدفاع الذاتية التي يعزي لها التمسك بتشخيصهم الذاتي كمبرر لبعض السلوكيات " بعض الاضطرابات مريحة لهم بالمقارنة بالاضطرابات الأخرى " فالنفس البشرية شديدة التعقيد .
هذا التشخيص المعمم الذي يتجاهل المنهجية العلمية للتشخيص النفسي ومبادئ الطب وعلم النفس التى لا تعتمد على الاعراض فقط فضلا عن تنوع طرق التشخيص و العلاج النفسي فلكل حالة خصوصياتها والعلاج المناسب لها والاختبارات والمقاييس النفسية الملائمة ، الذي يختلف جذرياً عن غيرها من الحالات ، رغم التشخيص بنفس اسم المرض " التصنيف الفئوي " فمن مبادئ الممارس العيادي النفسي المؤهل المرخص من وزارات الصحة " لا تصلح كل فنيات العلاج النفسي لجميع الأشخاص" والسؤال المنطقي هنا عزيزي القارئ كيف يختصر صانع المحتوي عبر الانترنت تكامل المعرفة الناتج عن المواد الدراسية العلمية التي يدرسها الاخصائي النفسي والطبيب النفسي خلال سنوات دراسته في تعميم مضلل يستخدم للأغراض تجارية غالبا ؟ أن عملية التشخيص النفسي هي عملية قائمة على علم اكاديمي وتراخيص ممارسة مهنية فهي تواصل مهنى بين الممارس النفسي والعميل لفهم مستويات عدة ( نفسية – اجتماعية – عقلية – ثقافية – بيولوجية ...) تشكل البناء النفسي الديناميكي المتفاعل وأن العلاقة المهنية في جلسة التشخيص واخلاقيات العمل أهم من تطبيق الأداة التشخيصية بحد ذاتها ، فالعميل يبدأ بهدف العملية التشخيصية التي تتحول إلي عملية الاستبصار ومزيد من فهم نفسه ، والمشخص النفسي لا يغفل السياق الاجتماعي والثقافي للعميل هذا التعقيد والتشابك الذي لا يمكن لأية أداة تشخيصية واحدة فقط أن تحيط به كاملأ ، فالتشخيص التكاملي الشمولي "اذا جاز لنا القول انه التشخيص الجامع المانع " يعتمد على بطارية مجمعة من المقاييس والاختبارات النفسية الملائمة لطبيعة العميل الفردية .
كما أن التشخيص النفسي لا يهتم فقط بنقاط الضعف الشخصي بل يهتم أيضا بنقاط القوة الشخصية ولا يكتفي بالدلائل التفسيرية الواحدة بل لابد من مؤشرات عديدة باستخدام أكثر من أداة لترجيح قوة الدلالة الباثولوجية.
وهو في ذلك يختلف عن التشخيص الطبي الذي يتمركز على السمات الجسدية والاعراض لتشخيص الاضطرابات النفسية ضمن فئات تصنيفية محددة .
كما أن التشخيص ليس هدفاً بحد ذاته بل وسيلة حيث يسهم في تحديد الإجراءات العلاجية أو الارشادية الملائمة للعميل بكل ما يمتلك من فروق فردية تم قياسها تحت ظروف معيارية مقننة .
فهناك فارق كبير بين التشخيص كإستقصاء من خلال الاستبيانات والاختبارات الإحصائية بغرض التصنيف الذي يتجاهل التعقيد البشري الفردي وبين التشخيص كعلم وفن يبحث عن الأسلوب الخاص للعميل بمكوناته وسماته الفريدة .
عملية تأهيل الاخصائيين النفسيين للتشخيص النفسي تستغرق مراحل عدة منها ما هو اثناء الدراسة الجامعية حيث يتعلم علوم التخصص النفسي كاملة ثم المرحلة الثانية بعد التخرج توجد مستويات من التعليم والتدريب الاحترافي تحت اشراف متخصص نفسي ممارس مرخص وعادة ما تكون درجة الدكتوراه التخصصية شرطاً لذلك .
كما ان أدارة الجلسة التشخيصية وكتابة التقارير النفسية علم وفن وهي جزء مهم وأساسي من العملية التشخيصية ، فممارسة التشخيص النفسي لا يجب أن تكون ممارسة عشوائية في متناول اخصائي مبتدئ أو شخص غير مؤهل علميا وغير مرخص له بذلك من وزارات الصحة ، فهي عملية لها أسس وقواعد مستندة الى نظريات علمية ممنهجة ومنظمة وخاضعة للتقويم والتقييم المرجعي بالبحوث العلمية التراكمية أو التتبعية .
الهدف الختامي للمقال :
 اطلاق التحذيرات من صناع المحتوي عبر وسائل


التشخيص الذاتي - العلاج النفسي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع