مدونة عبدالحكيم الأنيس


فاتحة مجلس "كتاب أسرار الصوم" من كتاب "منهاج القاصدين" للإمام ابن الجوزي (1)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


26/05/2023 القراءات: 633  


الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين،
اللَّهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزدنا علمًا وعملًا وأدبًا وفقهًا في الدِّين، اللَّهم آمين.
وبعد:
مجلسُنا هذا لقراءة (كتاب أسرار الصَّوم ومهمَّاته) من كتاب (منهاج القاصدين ومفيد الصَّادقين) للإمام أبي الفرج عبدالرَّحمن بن عليّ ابن الجوزيّ البغداديّ، المولود سنة (510) والمتوفَّى سنة (597)، فهو من علماء القرن السَّادس رحمه الله تعالى.
1- تعريف بالكتاب:
هذا الكتاب باختصار هو تهذيب للكتاب الكبير الذَّائع الصِّيت (إحياء علوم الدِّين) للإمام حجَّة الإسلام أبي حامد الغزاليّ رحمه الله تعالى، وقد جاء في (هديَّة العارفين) (1/523) عند ذكره: «منهاج القاصدين على أسلوب إحياء علوم الدِّين» نعم هو على أسلوبه ومختصرٌ له، وقد زاد ابن الجوزيّ في كتابه هذا ونقص، ويُذكر كذلك أنَّه حَنْبلَهُ، بمعنى أنَّه بعد أن كان الفقه فيه على المذهب الشَّافعيّ وهو مذهب الإمام الغزاليّ فإنَّ ابن الجوزي جعل الفقه فيه حنبليًّا.
ومِن تصرُّفاته كذلك أنَّه جاء بالدِّيباجات من عنده؛ فالحمد والثَّناء على الله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل هذا بأسلوب ابن الجوزيّ الذي خرج به عن ديباجات إحياء علوم الدِّين.
ولابن الجوزي عن كتاب "الإحياء": "إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء"، ولا يوجد. وفي كتابه: "تلبيس إبليس" نقدٌ كثيرٌ له.
ومن المهم قراءة مقدمته ففيها بيان عمله.
2- نسبته:
هذا الكتاب ثابت النِّسبة لابن الجوزيّ بيقين، وقد ذكره العلماء، ومنهم ابن رجب في ترجمة المؤلِّف في كتابه (الذَّيل على طبقات الحنابلة) وقال: «هو أربع مجلدات». ونجد في أثناء الكتاب عزوًا إلى عدد من مؤلَّفات ابن الجوزيّ ومنها: (مناقب الحسن) يعني الحسن البصريّ، ومنها كتاب (القُصَّاص والمذكِّرين)، والأوَّل مفقود وإنَّما وصل إلينا -في رأيي- مختصر منه، تصرَّفَ فيه بعض النُّسَّاخ أو بعض أهل العلم، وأمَّا كتاب القصَّاص والمذكِّرين فهو مطبوع.
3- مصادره:
لم أحصِ كلَّ مصادره، وكذلك لم يحصها محقِّقُ الكتاب، لكن أحصيتُ مصادر (كتاب أسرار الصَّوم ومهمَّاته)، وهي:
- مسند الإمام أحمد.
- الصَّحيحان.
- فضل عشر ذي الحجَّة لابن أبي الدُّنيا.
- كتاب الصِّيام ليوسف القاضي.
- كتاب الصِّيام لجعفر الفِريابي.
- حلية الأولياء لأبي نُعيم.
ويُلحظ أنَّه يسوق الأسانيد إلى هذه الكتب ولا يذكر العناوين، وبالتَّالي يحتاج استخراج مصادره إلى معرفةٍ بأسلوبه وإلى معرفة بالكتب المؤلَّفة في هذه الموضوعات.
4- عنوانه:
هو (منهاج القاصدين ومفيد الصَّادقين) وجاء في (لفتة الكبد في نصيحة الولد) لابن الجوزيّ نفسه مخاطبًا ابنه عليًّا أبا القاسم قال: «وعليك بكتاب منهاج المريدين؛ فإنَّه يعلِّمك السُّلوك، فاجعله جليسك ومعلِّمك» والظَّاهر عندي أنَّه يقصد هذا الكتاب، فإمَّا أنَّه سمَّاه أوَّلًا منهاج المريدين، وإمَّا حصل له سهو في ذكره، وإمَّا حصل خطأ من ناسخ متقدِّم.
وجاء في "معجم تاريخ التُّراث الإسلاميّ": «منهاج القاصدين ومفيد السَّالكين» والصَّواب: ومفيد الصَّادقين.
-استخدام المؤلِّف كلمة (منهاج) في عناوين كتبه:
يُلحظ أنَّ ابن الجوزي استخدم هذا اللَّفظ في ثلاثة كتب:
1- منهاج القاصدين ومفيد الصَّادقين.
2- منهاج أهل الإصابة في محبَّة الصَّحابة.
3- منهاج الوصول إلى علم الأصول، والمقصود علم أصول الدِّين وليس علم أصول الفقه، وهذا الكتاب مفقود لم تظهر له نسخة إلى اليوم، ويوجد في بعض فهارس المخطوطات في المكتبة الوطنيَّة في الجزائر (منهاج الوصول إلى علم الأصول لابن الجوزيّ) وقد طلبتُ هذا المخطوط وكشفتُ عنه فإذا هو (منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاويّ) وهو في أصول الفقه، اشتبه هذا على المفهرسين لأنَّ المؤلَّف لم يُذكَر فظنُّوه لابن الجوزيّ.
وقد يغيبُ هذا عن بعض المحقِّقين فيقع له تقصيرٌ في التَّعليق.
مثالُ ذلك: قال ابن المحبِّ الصَّامت المتوفَّى سنة (789هـ) في كتابه (صفات ربِّ العالمين): «ذكر أبو الفرج ابنُ الجوزيّ -وكان قد تجهَّم- في "منهاجه"...» ومن الواضح أنَّه يقصد (منهاج الوصول إلى علم الأصول) لأنَّ الكتاب هذا في أصول الدِّين وفي الإيمانيَّات، لكن قالت المحقِّقة عند هذه الفقرة المنقولة: «لم أجدها في كتابه منهاج القاصدين ومفيد الصَّادقين، ولعلَّ له كتابًا آخر باسم المنهاج لم أقف عليه». وقد علمتم أنَّ المقصود (منهاج الوصول).
-استخدم هذا العنوانَ (منهاج القاصدين) الموفَّقُ ابن قدامة في كتابه (منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الرَّاشدين)، وقد خُلط بين الكتابين خلطًا كثيرًا في معجم تاريخ التُّراث الإسلاميّ، فلينتبه إلى ذلك.
5-تنبيه على كتاب ليس لابن الجوزيّ:
هناك مخطوط بعنوان (منهاج الواعظين) منسوب إلى ابن الجوزيّ، وعندي أنَّه ليس لابن الجوزيّ؛ فلم يُذكر في مؤلَّفاته، وفيه كذلك ما يُشكِّك في النِّسبة، وكونه لم يذكر في المؤلَّفات ليس دليلًا قاطعًا في النفي، ولا بدَّ من مجموع أدلَّة، والمهمُّ في النَّقد النَّظرُ الدَّاخليّ، ولكن فيه من كلامه يقينًا، فيبدو أنَّ أحد المشايخ أو أحد الوعَّاظ استفاد من الشَّيخ ابن الجوزيّ وأورد من كلامه شيئًا كثيرًا، فيُستفاد من هذا المخطوط هذه النُّقول، وإن كان لم يعزُ شيئًا منها، لأنَّ المخطوط أصلًا عُزي إلى ابن الجوزيّ، ولكن مَنْ قرأ ميَّز وعرف، وهناك نصوص نعرفها في مؤلَّفاته الأخرى.
6-النَّقل منه:
نقَل عن (منهاج القاصدين) تقيُّ الدِّين أبو بكر بن زيد الجراعي المتوفَّى سنة (883) في كتاب "شرح مختصر أصول الفقه" (1/109).
7-اختصاره:
اختصره أحد آل قدامة، وهو نجم الدين أحمد بن محمد بن عبدالرحمن المقدسي الحنبلي (ت: 722)، كما حقق الشيخ المحقق جاسم الكندري، وقد طبع منذ وقت مبكِّر، وشاع واشتهر، وكان هذا سببًا في شهرة الأصل.


منهاج القاصدين. مؤلفات ابن الجوزي. فضل الصوم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع