مدونة د. أسماء صالح العامر


الإمام الشافعي: التجريد النظري وتوظيف آلة العقل📚

د. أسماء صالح العامر | Asma saleh Al amer


29/02/2024 القراءات: 144  


الإمام الشافعي: التجريد النظري وتوظيف آلة العقل:


مما اتصف به الإمام رحمه الله، قال القاسم بن سلام: «ما رأيت رجلا قط أعقل من الشافعي رحمه الله»( )، وقال أحمد بن حنبل لبعض أقرانه: «فإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف أن لا تجده إلى يوم القيامة»،
فكان رحمه الله يُحسِن في إعمال ما وهبه الله سبحانه وتعالى لتفتيق العلوم وتقنينها.
وهو رحمه الله يمنح العقل قيمة ظاهرة في المعرفة، فهو يقول لتلاميذه: «كل ما قلت لكم، فلم تشهد عليه عقولكم وتقبله، وتراه حقا فلا تقبلوه، فإن العقل مضطر إلى قبول الحق»( )، ويُدرك أين يقف ومتى يُقدَّم، كما يقول رحمه الله: «إنّ للعقل حدًّا ينتهي إليه، كما أن للبصر حدًّا ينتهي إليه»( )، والذين يستضيء بنور الوحي وكلياته، ويملأ قلبه بذلك حريٌ به أن يهتدي عند اجتهاده لمواطن الخلل والصواب، فـ«أهل العقل من كلّ صنف أقربهم من الدوام على الخير، والانتقال من الشر»( ).
وكمال العقل من أبرز عوامل التجريد للقواعد وتأسيسها، وأكثر موطن يظهر فيه: الجدل العلمي، وتلاقح الفهوم كما في محاورته مع شيخه محمد بن الحسن حول أصول الإمامين مالك وأبي حنيفة رحم الله الجميع.
وتأكيدًا لذلك الأفق العقلي والتجريدي عند الإمام في النظر والمحاورة يقول عنه شيخه محمد بن الحسن رحمه الله: «إن تكلم أصحاب الحديث يوما، فبلسان الشافعي – يعني - لما وضع من كتبه»( )، وهذه شهادة سامقة، وقال الحميدي: «كنا نريد أن نرد على أصحاب الرأي، فلم نُحسن كيف نرد عليهم، حتى جاءنا الشافعي، ففتح لنا»( )،
وهذا يعطيك إشارة مهمة لتمايز العقول وتكاملها وسلامة النفوس وتصالحها، وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: «لولا الشافعي ما عرفت كيف أرد على أحد، وبه عرفتُ ما عرفتُ، وهو الذي علمني القياس رحمه الله، فقد كان صاحب سنة وأثر، وفضل وخير، مع لسان فصيح طويل، وعقل صحيح رصين»( )،
وبيان الخطاب، وحُسن المنطق من سمات العقل.
وشهد بعض المخالفين له بتلك المهارة العلمية الدقيقة، فقد قال الحسن بن محمد الزعفرانيّ (ت:260هـ): «حجّ بشر المريسيّ سنة، ثمّ قدم فقال: قد رأيت بالحجاز رجلا ما رأيت مثله سائلا ولا مجيبا - يعني الشافعيّ»( )، وقال الجاحظ (ت:255هـ): «نظرت في كتب هؤلاء النبغة الذين نبغوا، فلم أر أحسنَ تأليفا من المطلبي، كأن فاه نَظَم درًا إلى درٍ»( ).
ولأئمة الحديث على وجه الخصوص عبارات عنه عميقة في الثناء والإعجاب، بل كان الإمام أحمد شغوفا به لدرجة مثيرة للإهتمام رحم الله الجميع، والسبب في ذلك هو تلك العقلية الفذّة التي يتمتع بها الإمام المطلبي.



الشافعي-تجريد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع