الشعر العمودي و عمود الشعر(ما صلتهما بشعر التفعيلة؟!(
سعد رفعت سرحت | Saad Rafaat sarhat
21/12/2022 القراءات: 3602
المراد بالقصيدة العمودية أو الشعر العموديّ_كما هو متداول اليوم_:الشكلُ الخارجي أو القالب النمطي (ذو الشطرين)الذي يُصبّ فيه الشعر ،ولهذا حين تصف قصيدة تريد نوعها تقول:(شعر عمودي أو قصيدة عمودية) تمييزًا عن شعر التفعيلة وعصيدة النثر ،أمّا مفهوم "عمود الشعر" فلا يمسّ الهيئة الخارجية لهذا القالب إلّا في حدود ضيّقة،لأنّ هذه الهيئة هي هي منذ كانت.
ويبدو أنّ مصطلح(الشعر العمودي)ظهر متأخرا ،بسبب غلبة مفهوم "العمود" على النماذج الشعرية الرصينة،فلكي يكون الشعر رصينًا ينبغي أن يتأسى ما استطاع بتلك النماذج السامية التي جاءت على طرائق العرب في القول،وبما أنّ تلك النماذج كانت تأخذ دأبًا هيئة نمطية (=الشطرين)فقد تحدّد مفهوم (القصيدة العمودية) بالشعر ذي الشطرين فحسب،إلى أنْ التبس مفهوم "عمود الشعر" بمفهوم"الشعر العمودي"،ولهذا عندما يدور الحديث اليوم في الكثير من الأوساط العلمية عن قصيدة التفعيلة وكيف أنّها كسرت البنية التقليدية للشعر العربي،يبادر الناس إلى القول بأنّ قصيدة التفعيلة كانت ردة فعل على معايير عمود الشعر،و كذا حينما يدور الحديث عن الخروج على عمود الشعر يظنّ الناس أنّ هذا الخروج برز مع ظهور قصيدة التفعيلة.
ليس شّعر التفعيلة خروجًا على عمود الشعر بالتحديد،وإنّما هو خروج على القصيدة العمودية بالمعنى المتداول الذي ذكرناه،مثلما لم تكن الموشحات والأزجال والأشكال المستحدثة خروجًا على عمود الشعر بالتحديد،وإنّما كانت خروجًا على هيئة القصيدة العمودية، فالفرق بين(الشعر العمودي و عمود الشعر)واضح وضوح الشمس،ذلك أنّ بوادر الخروج على العمود جاءت في"قصائد عمودية" ذات شطرين وقافية موحدة، فقصائد أبي تمام كلّها عمودية و فيها يخرج عن "عمود الشعر" !!!!!!.
إنّ الخروج عن الشعر العمودي أو الهيئة الخارجية للقصيدة العربية بدأ بظهور الأشكال الشعرية الجديدة في العصر العباسي وصولًا إلى الموشحات والأزجال،أمّا الخروج على"عمود الشعر"فبدأ بالشعراء المولدين أو أهل البديع الذين كانت قصائدهم على هيئة القصيدة النمطية ذات الشطرين.
وبذلك فإنّ عمود الشعر غير الشعر العمودي،فهذا الثاني مفهوم عروضيّ بامتياز، أمّا عمود الشعر فشيء أكبر يتجاوز العروض والشكل الخارجيّ ويتعداهما إلى السمات الفنية والبلاغية والاجتماعية والثقافية التي رصدها النقاد في الشعر العربي:(شرف المعنى وصحته،جزالة اللفظ واستقامته،المقاربة في التشبيه،مناسبة المستعار للمستعار منه)فهذه السمات تمس الشكل داخلي لا الهيئة الخارجية للقصيدة،بل حتى معيار (التحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن)يمسّ ّمضمون الشعر لا هيئته الخارجية فحسب،بل حتى معيار (مشاكلة اللفظ للمعنى وشدّة اقتضائها للقافية)هو الآخر يمسّ مضمون القصيدة قبل أنْ يمسّ هيئتها الخارجية المتمثلة بالقافية ،لأن الهيئة الخارجية عند أنصار عمود الشعر كانت أمرا مفروغا منه،ولهذا سكتوا عنها.
لم يكن ظهور الشعر المرسل و شعر التفعيلة بالتحديد ردّة فعل على"عمود الشعر" لأنّ هذا العمود انتُهِك قبل اثني عشر قرنًا وسارت نماذج هذا الانتهاك و اعتُرف برصانتها الى أنْ ظهر شعر التفعيلة،و عندئذ،فما علاقة قصيدة التفعيلة ب"عمود الشعر"الذي خرج عليه أبو نواس وبشار وأبي تمام والمتنبي؟.
ثمّ إنّ شعر التفعيلة ظهر ليواجه النماذج التقليدية التي يمثلها البارودي و شوقي وحافظ إبراهيم والزهاوي و الرصافي والجواهري،فكلّ هؤلاء هم خارجون على العمود بالضرورة،لا لشيء إلّا لأنهم كانوا يتأسون بالشعر العباسي الذي كان بادرة الخروج على العمود.
ظهرت قصيدة التفعيلة تكسيرًا للبنية التقليدية للقصيدة العربية التقليدية سواء أ كانتْ ملتزمة بالعمود أم خارجة عن معاييرها،وسواء كانت جائيةً على هيئة شطرين أم كانت جائية على هيئة أخرى كالموشح والزجل وغيرهما،و من يقف على خطابات رواد التفعيلة يرى أنّ قضاياهم بالدرجة الأساس كانت عروضية تتعلق بالهيئة الخارجية للقصيدة،ثمّ ينتقلون الى القضايا الموضوعية والجوانب المضمونية،فهم يقدمون قصيدة التفعيلة لتكون بديلة عن كلّ الاشكال التقليدية للشعر العربي:ذي الشطرين منه والبند والموشح والزجل وغير ذلك،ولم يقدموها لتمثّل خروجا على معايير عمود الشعر ،لأنّ تلك المعايير انتهكت منذ أزمان بعيدة.
عمود الشعر والشعر العمودي ما صلتهما بشعر التفعيلة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع