مدونة عبدالحكيم الأنيس


كلمات وافقتْ قدرًا (2)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


17/02/2024 القراءات: 522  


وقال الأدفوي في ترجمة شيخه العالم الأديب محمد بن أحمد الكندي الدشناوي القوصي (646 - 722):
"كان رحمه الله تعالى قد ضعف مدّة، ثمّ استقلّ ومشى بعكّازة يتكئ عليها، فوجدتُّه في الطريق فقلت له: ما أحسنَ قول ابن الأثير في العصا: «وهذه العصا التي هي لمبتدا ضعفي خبر، ولقوس ظهري وتر، وإذا كان وضعها دليلًا على الإقامة كان حملها دليلًا على السّفر»، فسكتَ لحظة مفكِّرًا، ففطنتُ لفكرته وشرعتُ أغالطه، فمشى، ثمّ بعد ذلك بأيام لطيفة توفي" .
***
وقال الأدفوي في ترجمة يونس بن عبدالمجيد الهذلي القاضي سراج الدين الأرمنتي (644 - 725): "كان حسن المحاضرة، مليح المجاورة، صنَّف "المسائل المهمة في اختلاف الأئمة"، وكتاب "الجمع والفرق".
وولي قضاء اخميم في ولاية تقي الدين ابن بنت الأعز.
ثم ولي بهنسا في ولاية ابن دقيق العيد.
ثم ولي قضاء قوص في ولاية ابن جماعة بعد أن ولاه بلبيس والشرقية.
ورأيتُ بخطه لنفسه:
الحالُ مني يا فتى … يُغني عن الخبر المفيد
وبغير سكينٍ ذُبحتُ … وأدرجوني في الصعيد
وكان كذلك، لم يزل بقوص إلى أن مات» .
***
وجاء في ترجمة الأديب الشاعر أبي الفضل عبدالرحمن بن أحمد السكندري المصري المالكي الشاذلي المتوفى شابًّا سنة (814) غرقًا:
«قال العيني في "تاريخه" لمّا ذَكر غرقه هو وأصحابه، وكانوا اجتمعوا في منظرة على البحر [النيل]، ثم اجتمع رأيُهم على ركوب بعض المراكب، ويتوجهون إلى الآثار، فامتنع أبو الفضل المذكور أشدَّ امتناع، فلم يزالوا به حتى ركب معهم، ولما ركب قال لرفقته: عجبًا إنْ ‌نجونا ‌من ‌الغرق في البحر. فلم يتم كلامه حتى انقلب المركبُ بهم، ولم يظفروا بجسده مع التفحّص عنه أيامًا، فكأن الأرض ابتلعته» .
***
وقال السخاوي في ترجمة القاضي الرئيس ناظر الجيش كاتب السر المحب محمـد ابن الشرف عثمان الكرادي القرمي الأصل القاهري الحنفي، ويعرف بابن الأشقر (ت: 863)، "كان قديم الرئاسة، متين العقل، وافر الأدب، كثير المحاسن، فُجع بولده المجمع على عقله ومحبته وحشمته سعد الدين إبراهيم، و«كان أعز عنده مِن سائر أولاده» ، وركبَ لتعزيته فيه الأتابك وأخوه وخلقٌ، بل لما بلغه نزولُ السلطان لذلك بادرَ وطلعَ إليه، فرام إلباسَه خلعةً فاستعفى وقال: إنها لا تجملُ بعد فقد المرحوم، إنما تصلحُ خلعة الأكفان. فكان كذلك، بقي بعده اثنين وعشرين يومًا" .
***
ويُذكر هنا شيء وقع لجدي الوجيه التاجر الحاج عبدالوهاب بن أحمد العك الحلبي -رحمه الله-، أخبرتني به الوالدة رحمها الله تعالى، فقد وُلد له من زوجته الأولى: صبحي، وفطوم، وعدوية، فأما فطوم: فقد تزوجها رجل من بيت دهنة ثريٌّ، فافتقر، ومات. فتزوجها علي ترن، وكان فقيرًا فقال جدِّي: زوجتُها من غني فافتقر، وهذا فقير فإمّا أنْ يَغنى، وإما أن يظلَّ فقيرًا. فظلَّ فقيرًا.
***
ووقع له شيء عجيب، أخبرتني به الوالدة رحمها الله تعالى، أسوق خبره هنا، وأعتذر عن بعض الألفاظ:
خطبَ جدي الحاج عبدالوهاب لابنه محمد نديم -وهو من زوجته الثانية رتيبة القلعجي- فتاةً اسمها دُرّية بنت عبدالغني طَرْوون، وذهبتْ جدَّتي إلى رجل من بيت كلزية لعمل استخارة فقال: هذا الرجل (محمد نديم) سيبقى يلبس قندرة ويشلح قندرة إلى أن توافق رجلَه قندرة!!
وذهبتْ إلى رجل من بيت الشوّا (والد المغني صباح فخري) لعمل استخارة أيضًا فقال لها: هذه المرأة ستقومُ بمصيبة، وتقعدُ بمصيبة، حتى تقش وتمشي!!
وعند الخِطبة خسرَ جدّي في صفقة تجارية (500) ليرة.
وليلة العقد مات فرسٌ أصيلٌ له.
فقال جدّي: لا أريد هذه الكنة، (وستَدخلُ هي وأخرجُ أنا).
وتدخلتْ ابنتُه فطوم، وجارةٌ -هي أسوم حنّوش، كانت على صلةٍ بالأسرة وحجَّتْ مع الجد-، فأقنعتاه بها، فسكتَ على مضض.
ويوم الحنّاء أصابته رشقةٌ، وحُمِل إلى الطبيب ابن قنبور، وأصابه شللٌ في يده ورجله... وقيل: أجلوا العرس، فقالتْ جدتي رتيبة: لا. وجِيءَ بالعروس مِنْ غير حفل، ودخل العريسُ بعروسه على أبيه وهو لا يتكلمُ، فأشار إليه بيده أنْ قم، فأخذها وصعِد إلى غرفته، وبعد سبعة عشر يومًا تُوفي جدي (وكانتْ وفاته يوم الثلاثاء (21) من صفر سنة (1371) =1951م).
ووَلدت هذه الزوجة لخالي نديم سبعة أولاد: عبدالوهاب، وتوفي، ثم هِندية، ثم عبدالوهاب (الثاني)، ونهاد، ومحمد، وعبدالغني، وزياد، وحملتْ بآخر، وفي شهر ولادتها قامَ خالي بسفرة ترفيه إلى "حمَّام الشيخ عيسى" خارج حلب، فحَمل في سيارته: زوجته، وأمها، وأمه، وأخته الصغرى لمعة، وأولاده الستة المذكورين، وحصل لهم حادثٌ في طريق عودتهم عند "خان العسل"، فتُوفيت أمُّه، وزوجتُه، وحملُها، وأولادُه: هندية، ومحمد، وعبدالغني، وزياد، وأمُّ زوجته، وفُتح بابُ السيارة فرُمي ابناه: عبدالوهاب ونهاد فسلما، وكانت أختُه لمعة في حضن أمها فسلمتْ لكن كُسر حنكُها ويدُها، وسلم هو.
كان هذا يوم الثلاثاء (3) من ربيع الأول سنة (1386هـ) = (21) من حزيران عام (1966). وشيّع الناسُ سبع جنائز!
وتزوج خالي المذكور بعد زوجته تلك زوجتين: الأولى: نديرة النسّاج. والثانية: وداد طروون (أخت الأولى). ووُلد له أولاد كثيرون من الاثنتين، ولم يعش لنديرة سوى البنات، كانت إذا ولدتْ ذكرًا توفي.
وتوفي يوم الجمعة (26) من صفر سنة (1410) = (28) من أيلول عام (1989)، عن ستين عامًا.
***
وحدثنا الشيخ حامد صخي الجنابي مساء الخميس (7/ 4/ 2016) أن أصدقاء للحاج التاجر سامي العبد العيساوي الفلوجي كانوا عنده في سهرةٍ فجرى على لسانه أنْ قال: أنا أريد من الله عشر سنوات أخرى وكفاني هذا. يقول الشيخ حامد: وقد توفي بعد عشر سنوات مِن كلامه هذا تمامًا.
***
وهناك أمثلة أخرى، أذكرها في فرصة قادمة إن شاء الله تعالى.
***
وهناك أفعالٌ وافقتْ قدرًا، انظروا مثالًا عليها في كتاب "الطيوريات" (ص: 329).
***
اللهم ارزقنا حُسن الكلام، ولطف المعاملة، وجميل التفاؤل، ورقيق التعليق، وإرادة الخير لنا ولأحبابنا وللمسلمين.
وصلى الله وسلم على معلم الناس الخير سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.


عجائب الكلمات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع