مدونة د. أسماء صالح العامر


في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في علاج الحمى (الجزء الثالث)

د. أسماء صالح العامر | Asma saleh Al amer


04/01/2024 القراءات: 144  


وفي «السنن» : من حديث أبي هريرة قال: ذكرت الحمى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسبها رجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبها فإنها تنفي الذنوب، كما تنفي النار خبث الحديد» «1» .
لما كانت الحمى يتبعها حمية عن الأغذية الرديئة، وتناول الأغذية والأدوية النافعة، وفي ذلك إعانة على تنقية البدن، ونفي أخبائثه وفضوله، وتصفيته من مواده الرديئة، وتفعل فيه كما تفعل النار في الحديد في نفي خبثه، وتصفية جوهره، كانت أشبه الأشياء بنار الكير التي تصفي جوهر الحديد، وهذا القدر هو المعلوم عند أطباء الأبدان.
وأما تصفيتها القلب من وسخه ودرنه، وإخراجها خبائثه، فأمر يعلمه أطباء القلوب، ويجدونه كما أخبرهم به نبيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن مرض القلب إذا صار مأيوسا من برئه، لم ينفع فيه هذا العلاج.
فالحمى تنفع البدن والقلب، وما كان بهذه المثابة فسبه ظلم وعدوان، وذكرت مرة وأنا محموم قول بعض الشعراء يسبها:
زارت مكفارة الذنوب وودعت ... تبا لها من زائر ومودع
قالت وقد عزمت على ترحالها ... ماذا تريد فقلت ألاترجعي
فقلت: تبا له إذ سب ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبه، ولو قال:
زارت مكفارة الذنوب لصبها ... أهلا بها من زائر ومودع
قالت وقد عزمت على ترحالها ... ماذا تريد فقلت: ألاتقلعي
لكان أولى به، ولأقلعت عنه، فأقلعت عني سريعا. وقد روي في أثر لا أعرف حاله «حمى يوم كفارة سنة» . وفيه قولان، أحدهما: أن الحمى تدخل في كل الأعضاء والمفاصل، وعدتها ثلاثمائة وستون مفصلا، فتكفر عنه- بعدد كل مفصل- ذنوب يوم. والثاني: أنها تؤثر في البدن تأثيرا لا يزول بالكلية إلى سنة، كما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوما» «1» . إن أثر الخمر يبقى في جوف العبد، وعروقه، وأعضائه أربعين يوما والله أعلم.
قال أبو هريرة: ما من مرض يصيا بني أحب إلي من الحمى، لأنها تدخل في كل عضو مني، وإن الله سبحانه يعطي كل عضو حظه من الأجر.
وقد روى الترمذي في «جامعه» من حديث رافع بن خديج يرفعه: «إذا أصابت أحدكم الحمى- وإن الحمى قطعة من النار فليطفئها بالماء البارد، ويستقبل نهرا جاريا، فليستقبل جرية الماء بعد الفجر وقبل طلوع الشمس، وليقل: بسم الله اللهم اشف عبدك، وصدق رسولك، وينغمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة أيام، فإن برىء، وإلا ففي خمس، فإن لم يبرأ في خمس، فسبع، فإن لم يبرأ في سبع فتسع، فإنها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن الله» «2» .
قلت: وهو ينفع فعله في فصل الصيف في البلاد الحارة على الشرائط التي تقدمت، فإن الماء في ذلك الوقت أبرد ما يكون لبعده عن ملاقاة الشمس، ووفور القوى في ذلك الوقت لما أفادها النوم، والسكون، وبرد الهواء، فتجتمع فيه قوة القوى، وقوة الدواء، وهو الماء البارد على حرارة الحمى العرضية، أو الغب الخالصة، أعني التي لا ورم معها، ولا شيء من الأعراض الرديئة والمواد الفاسدة، فيطفئها بإذن الله، لا سيما في أحد الأيام المذكورة في الحديث، وهي الأيام التي يقع فيها بحران الأمراض الحادة كثيرا، سيما في البلاد المذكورة لرقة أخلاط سكانها، وسرعة انفعالهم عن الدواء النافع.


علاج- النبي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع