مدونة أ د محمد مصطفى أحمد شعيب
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
فضيلة الدكتور محمد مصطفى أحمد شعيب | Dr. Mohammed Mostafa Ahmed Shoaib
22/03/2025 القراءات: 33
شهر رمضان شهر القرآن، قال جل وعلا: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، وقال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}، وقال سبحانه: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}.
فالقرآن نزل في رمضان في ليلة القدر، قال ابن عباس رضي الله عنهما: القرآنُ كلُّه أُنزل من اللوحِ المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان، ثم أنزل نجومًا في ثلاثٍ وعشرين سنة.
أيها المباركون: نزل جبريلُ بالقرآنِ فصار جبريلُ أفضلَ الملائكة.. ونزل القرآنُ على محمدٍ ﷺ فصار محمدٌ سيدَ الخلقِ.. وجاء القرآن إلى أمةِ محمد فأصبحتْ خيرَ الأمم.. ونزلَ القرآن في شهرِ رمضان فأصبح خيرَ الشهور.. ونزل القرآن في ليلة القدر فأصبحتْ خيرَ الليالي. ولو عَمَرَ القرآنُ قلوبَنا لصَارَتْ أفضلَ القلوب.
القرآنُ مصدرُ عِزِّنا وشَرَفِنا ورِفْعَتِنا قال تعالى: {لقدْ أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذِكْرُكُمْ} أي: فيه شرَفُكُم وعِزُّكُم ورِفعتُكُم، وقال جل وعلا: {وإنه لذكر لك ولقومك} لعِزٌ لكَ ولِقَومِك، لشَرَفٌ لكَ ولقومِك.
وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)}.
روى أحمد وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا). وتأل العبارة (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ) والصاحب هو الذي يُحبُّ ويُؤلَفُ، وتكون الصلة بينه وبين صاحبه وثيقةٌ ومتينةٌ، فصلته بالقرآن ليست مجرد قراءة عابرة، أو بين حين وآخر، لا، بل هي مصاحبه، هو صاحبه، معه باستمرار.
قال الإمام الخطابي في معالم السنن: (جاء في الأثرِ أن عددَ آي القرآنِ على قدرِ درجِ الجنةِ، يُقال للقارىء: ارقَ في الدرجِ على قدرِ ما كنتَ تقرأ من آي القرآنِ، فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة، ومن قرأ جزءًا منها كان رقيُّه في الدرجِ على قدر ذلك، فيكون منتهى الثوابِ عند منتهى القراءة) ا. هـ. فيا لسعادة الحفاظ لكتاب الله جل وعلا. وروى الترمذي وغيره عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف).
وفي الصحيحين عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ). والمُدَارَسَةُ مُفَاعَلَةٌ من الجانبين، أي أنهما يتناوبان القراءةَ، النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأُ وجبريلُ يستمع، وجبريلُ يقرأُ والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يستمع، وذلكَ في كلِّ ليلةٍ من ليالي رمضان.
وفي صحيح مسلم من حديث فاطمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها: (أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّهُ عَارَضَهُ في السنة التي توفي فيها مَرَّتَيْنِ).
وهكذا السلف الصالح كانوا يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان حتى أثر عن كثيرين منهم أنهم يختمون القرآن كل يوم ختمة، وبعضهم كان يختمه مرة في الليل ومرة في النهار، ويُروى هذا عن الشافعي وغيره من الأئمة، وكانوا ينقطعون للقرآن ولا ينشغلون بغيره.
فينبغي أن يكون للمسلم في رمضان وردٌ من القرآن لا يقلُّ عن جزءٍ في اليوم، وكلما أكثرَ كُلَّما كان أفضلَ، وإن استطاعَ أن يقرأ كلَّ يومٍ خمسةَ أجزاءٍ فهذا نورٌ على نور، ويستطيعُ بذلك أن يختمَ القرآنَ كل ستةِ أيامٍ ختمة، وهو بذلك يختمَ القرآنَ في رمضان خمسَ خَتْمَات.
القرآن، رمضان، التلاوة، مدارسة القرآن
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة