مدونة عبدالحكيم الأنيس


حوار في العلم والبحث والحضارة (1)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


30/08/2023 القراءات: 322  


حوار كانت قد أجرته معي مجلة زهرة الخليج، ونُشر بعد ذلك في جريدة البيان الصادرة في دبي، وفي مجلة الضياء الصادرة عن دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي.
***
س
- ما هي نظرة الإسلام إلى العلم؟
ج:
الإسلام دين العلم، وحسبُنا أنْ نقول: إن أول آية نزلت – كما هو معلوم للجميع – قوله تعلى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، وقد كان هذا إيذانًا بعصر جديد يُمَجَّدُ فيه العلم، ويُحضُّ عليه ويُطلبُ، ويُذمُّ الجهل ويُحذَّر منه ويُهجر، وقد تتابعت الآياتُ التي تشير إلى قيمة العلم وفضله وأثره في بناء الانسان والمجتمع، وجاء بعضُها بصيغةٍ تُحَرِّكُ العقولَ وتثيرُ العزائم كقوله تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [سورة الزمر:9].
ولسعة العلوم والمعارف وتنوعها وتطورها وتقدّمها جاء الأمرُ الرباني مُعَلِّمًا ومُرْشِدًا (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه:114] وفي هذا يقول الإمام الطبري:
"يقول تعالى ذكرُه: وقل يا محمد: ربِّ زدني علمًا إلى ما علمتني. أمَرَهُ بمسألته مِنْ فوائدِ العلمِ ما لا يَعَلْمُ".
وهذا وإن كان في ظاهره خطابًا خاصًا إلا أنّ التوجيه الذي تضمنه توجيهٌ عام لأنَّ القضية قضيةُ عامة فالازديادُ من العلم أمرٌ لا يستغني عنه أحدٌ، وكلما ازداد الانسانُ علمًا ازداد تمسُّكًا به، وازدادت معرفتُه بما كان عليه سابقًا مِنْ نقص علمه وقلة معرفته.
ونلحظ في الآية المذكورة: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) أن كلمة "علمًا" جاءتْ مطلقةً، والمطلوبُ من الانسان أن يسأل اللهَ أن يزيده علمًا شرعيًا وعلمًا كونيًا، وهما في الواقع مترابطان متلازمان، وكلاهما يُعَرِّفانِ بالله ويدلان عليه ويسعدان الانسان.
كل هذا يدلنا على أنَّ العلم مِنْ حيثُ هُوَ قيمةٌ رفيعةٌ، ومنزلةٌ عالية، وأمرٌ خطيرٌ، ينبغي للأمة أنْ تحرص عليه أشدَّ الحرص.
***
س
- للعلم- بلا شك- فوائد كثيرة فما هي - يا تُرى- هذه الفوائد؟
ج:
إنَّ من أعلى فوائد العلم (الشرعي والكوني) أَنْ يدل الانسانَ على الإيمان بالله إيمانًا صحيحًا راسخًا والإيمان بما أمرَ اللهُ بالإيمانِ به، ومعرفةِ شرائعه لخلقه، والالتزام بهديه، والتمسك بصراطه.
إذا كانت السعادةُ الدنيويةُ أعلى مطلبٍ للانسان يسعى لحصولها وتحقيقها والتنعُّم بها، فإنَّ الإيمان كفيلٌ بأَنْ يحقِّق هذه السعادة، وليس في الدنيا فَحسبُ بل في الدنيا والآخرة معًا.
والعلمُ يفتِّح مداركَ الانسانَ، ويوسِّع آفاقه، ويُهذِّبُ فكره، ويشذِّبُ طباعه، ويكشف له أسرار الوجود، وحقائق الأشياء.
وهو في حدِّ ذاته مُتعةٌ، عقلية لا تعْدِلُها متعةٌ، ولهذا آثرها عددٌ غير قليل من العلماء الكبار حتى على متعة الزواج والسكن الزوجي فنراهم قد تفرَّغوا للعلمِ وتوسيعهِ وتفتيحهِ، وطلبهِ وتدريسهِ، وتصنيفهِ وحفظهِ، ولم يلتفتوا إلى نداء الجسد مهما كان صوتُهُ عاليًا، وما ذلك إلا لاستغراقهم في هذه المتع العقلية والذهنية.
***
س
- نحن في العالم الإسلامي لا نأتي في المراتب الأولى في سلم البحث العلمي، فما هي الانعكاسات السلبية التي نعاني منها من جراء ذلك؟
وما هو الطريق لتجنب تلك الانعكاسات؟
ج:
الآثار السلبية التي نعاني منها واضحةٌ ملموسةٌ في مجالات كثيرة، فنحن نعتمد على غيرنا اعتمادًا كليًا أو شِبْه كلي في سائر أمور حياتنا: فغذاؤنا مستورد، وسلاحنا مستورد، وتعليمنا مستورد، ولغتنا مستوردة، وهذا يعني أنَّ الأمة مرتهنة وليس لديها الاستقلال المطلوب في قراراتها ومواقفها، وأنها أصبحتْ أمةً مستهلِكة فقط، والأصل أن يكون أمةً مُنْتِجَةً، تُعطي قبل أنْ تأخذ، وتصدِّر قبل أن تستورد، وتفكِّر بطريقتها الخاصة، وتقرر حسب قناعاتها ومعتقداتها وموروثها.
وطغيانُ الاستهلاك علينا جَعَلَ عقولَنا في سباتٍ، وأيادينا في شللٍ، وَربَطنا بثقافةِ المورد ربطًا تامًا.
والمرجو أنْ تعيد الأمةُ النظرَ في واقعها، وتعيد الخطط اللازمة لمستقبلها، وتسعى حثيثًا لكفاية ذاتها بذاتها في أمورها الصغيرة والكبيرة.
إنَّ أهمَ أمرٍ أن يكون لدينا العزمُ والتَصميمُ على التصحيح وعلى تحرير قرارنا، وحفظ سيادتنا، وأنْ نتخلى عن ثقافة الاستهلاك، وأنْ نعمل بالترشيد في مفاصل حياتنا كلها، وأنْ نستغل أراضينا، ونشغِّل أبناءنا، ونستثمر أموالنا وطاقاتنا بأنفسنا.
ونحن لا ندعو إلى مقاطعة العالم، فهذا غير ممكن بداهةً، وإنما ندعو إلى ما يُلحقنا بركب الحضارات التي كنا ساداتها وصُنَّاعَها ورُوادها، وندعو إلى تنشيط الحركة الصناعية في بلاد المسلمين، ونقصد الحركة الصناعية الكبرى التي تهتم بالطائرة كما تهتم بالإبرة.
كما ندعو إلى تنويع مصادر الدخل التي تتيح لنا حريةَ الاختيار، وتؤمِّن لنا البديل حين تمسُّ الحاجةُ إلى وجود هذا البديل، فلا بُدَّ أن يكون إلى جانب النفط – مثلًا – تجاراتٌ، وصناعاتٌ، وزراعاتٌ قويةٌ فاعلة ناهضة، يسير بعضُها إلى جنبِ البعض في اتجاهٍ واحد.
لقد قَدَّمنا للعالم الكثيرَ الكثيرَ في سائر جوانب الحضارة والرقي والثقافة والعلوم والمعارف والآداب، ومِنْ حقنا أن نعود إلى ما كنّا عليه، وهذا بإمكاننا حقًا. وإنني هنا أدعو شبابنا وشوابنا وأدعو الأجيالَ إلى القراءة الواعية لما جاء في الكتب الآتية:
"حضارة الإسلام وأثرها في الترقّي العالمي" للأستاذ جلال مظهر.
و"الإسلام والحضارة العربية" للأستاذ محمد كرد علي.
و"شمس العرب تطلع على الغرب" للمستشرقة الألمانية زيغريد هونكه.
و" أثر العرب والإسلام في النهضة الأوربية" الذي صدر باشراف مركز تبادل القيم الثقافية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة لتربية والعلوم والثقافة (يونسكو).
و"أثر العلماء المسلمين في الحضارة الأوربية" للأستاذ أحمد علي الملا.
و" دور الحضارة العربية الإسلامية في النهضة الأوربية" للأستاذين هاني المبارك وشوقي أبو خليل.
(يتبع)


العلم. البحث العلمي. الحضارة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع