مدونة سيف بن سعيد العزري


حكم بقاء الحضانة للأم بعد زواجها

سيف بن سعيد العزري | SAIF BIN SAID ALAZRI


09/06/2023 القراءات: 1372   الملف المرفق


عُرضت عليّ دعوى شرعية في إحدى المحاكم بسلطنة عمان، فحواها مطالبة المدعية بإثبات أحقيّتها في حضانة ابنيها أحدهما عمره ست سنوات والآخر خمس سنوات بعد أن أخذهما أبوهما ولم يرجعهما، وذلك بعد أن تزوجت، وقد حكمت في الدعوى بفضل الله تعالى بعد بحث في مسألة بقاء حضانة الأم بعد زواجها، وكان من خلاصة الحكم أنّه "من المقرر قانوناً طبقاً للمادة (125) من قانون الأحوال الشخصية أنّ "الحضانة هي حفظ الولد وتربيته ورعايته بما لا يتعارض مع حق الولي في الولاية على النفس"، وأنّه طبقاً للمادة (126) "يشترط في الحاضن العقل والبلوغ والأمانة والقدرة على تربية المحضون وصيانته ورعايته والسلامة من الأمراض المعدية الخطيرة"، ومن المقرّر أنّ الحضانة إنّما شرعت لمصلحة المحضون من أجل رعايته وصيانته وتأديبه حتى ينشأ نشأة سويّة على أخلاق فاضلة وديانة حقّة وعلم نافع، لذا رجّح المحققون من أهل العلم أنّ العبرة لا بالسنّ وإنما بمصلحة المحضون، فمن كان أحسن تربية له ورعاية لمصالحه وتوجيهاً له في أمور دينه ودنياه كان أولى بأن يكون تحت كفالته، وأنّ ما ورد من تقديرات في سنّ الحضانة إنّما هي اجتهادات من العلماء فقط، فمدار الأحكام الشرعية على مصالح البشر؛ لذا تقرّر في مبادئ المحكمة العليا أنّ "مدة الحضانة وصلاح المحضون وتقدير كل ذلك تقرّره محكمة الموضوع" (قرار 52، طعن 71/2002، جلسة 11/10/2003م)، ومن المعلوم شرعاً أنّ أهل العلم اختلفوا فيما إذا تزوجت الأم الحاضنة هل يسقط حقها في الحضانة أم لا؟ فقيل: يسقط حقها وحكى ابن المنذر عليه الإجماع ولا يصح لوجود الخلاف، وقيل: الأم أولى به على كلّ حال ولو تزوجت، وبه قال الإمام السالمي في جوهره حيث قال:
إلا إذا تزوجت فإنما *** أبوه أولى عنــــــــد ذاك فاعلما
وقال بعض أمه أولى به *** في كلّ حال وهو من صوابه
وقيل: بذلك في الطفلة دون الطفل، وقيل: يسقط حقها مالم تكن هناك مصلحة في بقائه مع أمه لتربية ورعاية ونحو ذلك، وهذا القول الأخير هو الذي تعتمده المحكمة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنتِ أحق به ما لم تنكحي)، وللقواعد الشرعية التي تقضي بأن "لا ضرر ولا ضرار" و"الضرر يزال"، ومراعاة لما ذهب إليه جمهور الأمة من أنّ الحضانة هي حق المحضون؛ لأنه هو المعني بذلك، فالحضانة إنّما شرعت لمصلحته من أجل رعايته وصيانته وتأديبه حتى ينشأ نشأة سويّة على أخلاق فاضلة وديانة حقّة وعلم نافع، فحيثما كانت مصلحته دينياً ثم دنيوياً كان هناك، ومن المعلوم أنّ الأحكام الشرعية قائمة على مصالح البشر، فحيثما كانت المصلحة فثمّ شرع الله، ولا أخال من قال بخلاف هذا إلا ويقيّد قوله بالمصلحة وإن لم ينصّ على ذلك صراحة، وقد جرى قانون الأحوال الشخصية على رأي قريب من هذا الرأي طبقاً للمادة (أ/127) حيث نصّت على أنه يشترط في الحاضن إن كانت امرأة "أن تكون خالية من زوج أجنبي عن المحضون دخل بها، إلا إذا قدّرت المحكمة خلاف ذلك لمصلحة المحضون".
لما كان ذلك، وكان قاضي الموضوع هو أجدر من يقدّر المصلحة في حضانة الأطفال، فإنّ المحكمة تقدّر أحقية المدعية بحضانة ولديها، وذلك للأسباب التالية:
1-أنّ الأصل أنّ الحضانة من حق الأم.
2-أنّ المصلحة تظهر جليّة في ذلك؛ حيث إنّ الأب المدعى عليه يعمل في الصحراء بنظام أسبوعين في العمل وأسبوعين في إجازة، وهذا يجعله بعيداً عن ولديه لو كانا في حضانته لمدة طويلة، بينما الأم المدعية موجودة، ولئن كانت تعمل فإنّ أمها قد أبدت الاستعداد لرعايتهم خلال مدة عمل أمهم مع وجود عاملة المنزل، ولهذه الأسباب ونحوها خلص تقرير الباحث الاجتماعي في نتائجه -بعد لقائه بطرفي الدعوى ووالدتيهما وزوج المدعية، والطفلين -إلى تفضيل أن تكون حضانة الولدين لصالح المدعية، وقد بُني التقرير على أسباب منطقية توصل بداهةً إلى النتيجة المذكورة.
ولا ينال من الحكم بذلك ما دفع به المدعى عليه وقد ثبت من أنّ المدعية متزوجة؛ إذ ظهر أنّ المصلحة في ضمّ الأولاد إلى حضانتها.
ولا ينال من الحكم بذلك ما ادّعاه المدعى عليه من سلوك المدعية غير المرضيّ؛ إذ هو كلام مرسل لم يثبت، على أنّه لو ثبت فإنّ المدعى عليه قد وافق على أن تكون الحضانة للأم المدعية بعد الطلاق منذ عام 2015م كما هو ثابت في محضر الصلح المشار إليه، وما يدّعيه من عدم الأمانة ونحوه كان قبل تطليقه لها، فقد رضي أن تكون حاضنة لأولاده خلال هذه المدة، فلا يصح هذا مسقطاً للحضانة بعد مضيّ هذه المدة، ومن المقرّر قانوناً طبقاً للمادة (135/3) من قانون الأحوال الشخصية أنّه يسقط حق الحاضن في الحضانة إذا سكت مستحق الحضانة عن المطالبة بها مدة سنة من غير عذر.
ولهذا كّله كان الحكم بإثبات أحقيّة المدعية بحضانة ولديها،
وفي الحكم مسائلُ أخرى، يمكن الاطلاع على نسخة الحكم وتفاصيله في الملف المرفق أعلاه.


حكم قضائي، الحضانة مع زواج الأم، عمل المرأة.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع