مدونة محمد كريم الساعدي


اليونان والرومان والحقبة المسيحية ومسرح الشارع L رؤية نقدية في مسرح الشارع / القسم الأول

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


17/01/2024 القراءات: 522  


اليونان والرومان والحقبة المسيحية ومسرح الشارع
رؤية نقدية في مسرح الشارع / الجزء الثالث
أ.د محمد كريم الساعدي
إنَّ ظاهرة مسرح الشارع هي ظاهرة قديمة حسب طريقة أداء العرض المسرحي والأمكنة التي يتم العرض فيها ، فكل العروض التي قدمت سابقاً في الحضارات القديمة من الممكن أن تنتمي إلى مسرح الشارع من حيث أنها أقيمت خارج حدود وجدران مكان ما ، وهذا يجعل الانتماء إلى هكذا نوع من المسرح قابل للتصديق على الرغم من أن هذه التسمية ، أي مسرح الشارع ، لم تطلق سابقاً بنفس الماهية التي تطلق على مسرح الشارع في هذا اليوم ، والاختلاف الحاصل على التسمية أصلاً ، لكن توجد بعض التحديدات التي تجعل مما قدم في اليونان ينتمي الى مسرح الشارع ، وكما جاء في المعجم المسرحي بأن : " ظاهرة مسرح الشارع ظاهرة قديمة لأن عروض الممثل اليوناني ثيسبس Thespis (525 – 456 ق.م ) في القرن السادس ق.م التي سبقت مرحلة المسابقات التراجيدية كانت تتم في الشوارع خارج المعبد "(1) . أي أن ما كان يقدمه (ثيسبس) من الممكن أن ينسب إلى مسرح الشارع ، وهذه هي البداية الأولى لمسرح الشارع ، وهي تشير إلى الآتي :
1. إنَّ ما قدمه (ثيسبس) هو أقدم من المسابقات التراجيدية ، وبالتالي هذا الشكل المسرحي هو أقدم من الشكل المسرحي الذي يقدم في داخل الأماكن المخصصة التي ولدت فيها التراجيديا ، ويكون مسرح الشارع أقدم ظاهرة مسرحية من المسرح التقليدي الذي وجد في الحضارة اليونانية ، وكلاهما ينتميان إلى نفس الحضارة لكن مسرح الشارع وبداياته هي أقدم من المسرح التقليدي.
2. إنَّ أنطلاق مسرح الشارع من خارج بنايات المعابد يدل على أن الظاهرة المسرحية منتمية إلى فعل درامي قبل أن تنتمي إلى فعل طقسي ديني كما هو متداول في الكتب المختصة في مجال المسرح التي تذكر أن نشأت المسرح نشأة دينية بحته ، بغض النظر عن الموضوع الذي يقدمه (ثيسبس) لكنه كان يقدمه خارج المؤسسة الدينية وليس في داخلها .
3. إنَّ ظاهرة المسرح لا يمكن حصرها في مكان محدد كما هو في المسرح التقليدي ، بل يمكن أن تقام في أي مكان معين سواء شارع أو غيره ، وهذا يشير الى أن ظاهرة المسرح ذاتها هي ظاهرة لا يمكن أن تحدد في بيئة معينة ،بل هي تصلح لكل البيئات ، وهذا ما تشير إليه بدايات هذه الظاهرة أصلاً .
إنَّ هذه الظاهرة المسرحية التي كانت تقدم في الشارع أستمرت في حضارة أخرى وهي الحضارة الرومانية أخذت من الشكل المسرحي المقدم في الشارع نمطاً لها من الحضارة اليونانية من خلال تقديم فعاليات أدائية مسرحية في الشوارع الخاصة في روما وغيرها من المدن ،إذ كانت مجموعة من : " الممثلين الإيمائيين والممثلين الجوالين Jongleurs في الحضارة الرومانية "(2)كانت تقدم الأفعال الفنية التي تمثل صور درامية من مسرح الشارع في تلك الحقبة الزمنية . وهذا يدل على أن العروض المقدمة خارج الأسوار والتي أستمرت في الحضارة الرومانية ، تدل على أن هذا الشكل من العروض كان شائعاً وأستمر في حضارتين مختلفتين ثقافياً .
أما في المجال الديني المسيحي فأولاً إنَّ الجانب الديني حرم المسرح في بداية الأمر عادة مرة أخرى ليجعل من المسرح أداة من الأدوات المهمة في نشر الطقس الديني الكنسي من خلال تقديم العديد من القصص المرتبطة بالمجال الديني المسيحي ، أي أن بعد الرفض الذي أبدته الكنيسة في بداية الأمر بضرورة إبعاد المسرح من المجتمع الذي كانت تحكمه التعاليم المسيحية ليتحول الأمر فيما بعد إلى أمر رسمي يصدر من الكنيسة ذاتها من خلال ما قام به البابا (أوربان الرابع) الذي "أصدر فرماناً علم 1264 بالاحتفال بعيد تجسيد المسيح ، أو ما يسمى (عيد القربان) ، لكي يتم الاحتفال به في كل أنحاء أوروبا من شهر مايو إلى شهر يونية ، وأدى هذا إلى ظهور أول أداء تمثيلي لعدة سلاسل من مسرحيات الأسرار أو المعجزات ( والتي مازلنا نستطيع مشاهتها في مدينة يورك) "(3)، هذه التقاليد الأحتفالية التي أستمرت لقرون عديدة في الدول التي تعتنق الديني المسيحي .
إنَّ القصة التي تروى عن أدخال الكنيسة للمسرح بدأت في بادئ الأمر في الداخل الكنسي ، أي في باحات الكنائس ، وذلك من خلال توظيف بعض القصص البسيطة التي تروي جانب من القصة المرتبطة بالمسيح (عليه السلام) ، ويرى المشتغلون في مجال المسرح بأن هذه العملية بدأت في " القرن العاشر ، دخلت على طقوس قداس الفصح الكنيسة مسرحية صغيرة من أربعة سطور تصور قيامة المسيح في أبسط صورة درامية ممكنة . والظاهر أن المسرحية الصغيرة أحرزت نجاحاً ، فسرعان ما حليت طقوس القداس في عيد الميلاد وفي غيره من الأعياد المقدسة بشيء من التمثيل . ولما تجمعت هذه المسرحيات الصغيرة أُخرجت من الكنيسة فنظمت في مجموعات تعرف بأسم حلقات الأسرار ، وكانت هذه المسرحيات مستمدة كلها من الكتاب المقدس " (4) لتجعل الجانب الطقسي أكثر تشويقاً من خلال توظيف بعض القصص المسرحية ،أو بعض الأداءات التمثيلية التي تشارك الطقس الديني في داخل الكنيسة وخارجها ، مما يجعل التواصل مع الجمهور أكثر حرية في خارج الكنيسة من داخلها ، كون أن المجال الخاص بالالتزام بالطقس الديني يفرض على المشاركين في مجال المسرح عدم الحرية في الإبداع ،أي أن الارتباط بالممارسات الدينية ستكون محدودة ، لهذا السبب فإنها بدأت بشكل بسيط في الداخل لكنها تطورت في خارج الكنيسة وتحولت إلى حلقات مسرحية أكثر تطوراً من الداخل الكنسي .


مسرح ، شارع


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع