الرجل الصالح عودة أيوب الكبيسي (1)
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
22/06/2024 القراءات: 717
توفي في مدينة الفلوجة أمس الجمعة (15 من ذي الحجة سنة 1445 = 21 من يونيو سنة 2024م) الرجل الصالح العابد الزاهد عودة بن أيوب بن سويدان الكبيسي، ودُفن في العشية في المقبرة الإسلامية. وكانت ولاته نحو سنة (1941). وهذا تعريفٌ به بقلم شقيقه العلامة الصالح الأستاذ الشيخ عيادة بن أيوب الكبيسي رحمهم الله تعالى، وجمعهم في مقعد صدق عنده:
(الأخ الشقيق عودة أيوب سويدان أبو عبدالقادر:
رأيتُ مِن باب صلة الرحم أنْ أكتبَ عن أخي (عودة)، وأيضًا لما له مِنْ فضلٍ عليَّ وحسن تربيةٍ ورعايةٍ، فقد كان يكبرُني بنحو ست سنوات، وقد نشأنا معًا في بيت واحد حتى فرقتنا ظروفُ الحياة، وقد شاء اللهُ تعالى أن يكون ذلك الفراقُ طويلًا، فقد استمر ثلاثًا وثلاثين سنة! حتى يسر اللهُ تعالى لقاءنا في مدينة السليمانية بشمال العراق، وذلك يوم هجرتهم إليها إثر الظروف القاسية التي مرَّتْ بها محافظةُ الأنبار، وجزى اللهُ الإخوةَ الأكرادَ على حُسن استقبالهم وجميل ضيافتهم، وبعد الاستخارة والاستشارة قرَّرتُ السفر إلى السليمانية حيث إقامة أخي عودة هناك مع زوجته وابنه عبدالقادر، وذلك بتاريخ (2/ 11/ 1436) الموافق (17/ 8/ 2015م) ...
وقد وجدتُّ في أخي خصالًا جميلةً، تستحقُ الذكر، فمِنْ ذلك:
-كثرة ذكره لله تعالى، وحُسن الاعتماد والتوكل عليه سبحانه وتعالى، وكان يردِّدُ كثيرًا قوله تعالى: {فالله خيرٌ حافظا وهو أرحم الراحمين}.
-ومِنْ ذلك تعميرُ مجالسه بالنافع والمفيد، وأخي وإنْ لم يكن من العلماء إلا أنه قد تعلَّم كثيرًا، وأفاد مِن دراسته بعضَ الوقت على شيخنا الشيخ عبدالعزيز السامرائي، ولذلك فهو كان يرفضُ مَنْ يناديه بالشيخ عودة، ويقول: أنا لستُ بشيخ، إنما درستُ بعض العلوم على يد الشيخ عبدالعزيز رحمه الله تعالى، فلا تغرنكم العمامةُ واللحيةُ!
-ومِنْ ذلك حسنُ اعتقاده بالصالحين والعارفين بالله، وله صحبةٌ مباركةٌ مع الشيخ خليل الفياض، الذي حدَّثني عنه فقال: إن أخاك عودة من أولياء الله تعالى، وقد قص لي أخي قصصًا كثيرة عمّا جرى لنا في أيام الصبا، وما يجري الآن، وما مروا به مِن مآسٍ متعددة في الأحداث الأخيرة التي مرَّ بها العراق، وكيف تعددتْ هجرتهم إلى أماكن كثيرة، وهم يُسمونها (الهَجّة)! فيقول: في الهَجّة الأولى، والثانية، وهكذا ... لاسيما أن العراق قد مرَّ بأحداث مريرة قاسية، وكانت ثمة تقلباتٌ وتغيراتٌ كثيرةٌ لسنا بصدد بيانها هنا، وهي معروفة.
-ومِنْ ذلك أن أخي كان له تعلقٌ بكتاب الله تعالى، فهو يحرصُ على استمرار التلاوة، وقد اتخذَ له وردًا بأنْ يقرأ بعد كل صلاة جزء، فيختم كل ستة أيام، ويهدي ثواب الختمة لأرحامه، وقد كتب أسماءَهم واحدًا واحدًا قال: وقد خصصتُ ذلك للأموات منهم، وكان يسألني -وهو يعلمُ-: هل يصلُ إليهم الثواب؟ فقلتُ له: نعم إن شاء الله تعالى، وهذا من صلة الرحم.
-ومِنْ ذلك أن الله تعالى قد منَّ عليه بصحة الصالحين فقد كان يزور الشيخ العارف بالله محمد النبهان الحلبي، وقد رافقتُه في بعض تلك الزيارات، وكذلك قد زار الشيخ مصطفى النقشبندي، وسبق أنْ ذكرنا أن له صحبة مباركة مع الشيخ خليل الفياض، كما كانت له صحبةٌ مع أبيه الحاج محمد الفياض رحمه الله تعالى، وقد حدثني عن مواقف عجيبة أقولُ أنا إنها كرامات، سأذكرُ هنا بعض ذلك، منها أنه قال:
كنتُ أدرسُ العلم عند الشيخ عبدالعزيز في الفلوجة، وأذهبُ إلى عملي في بغداد، كنتُ أخافُ من ذلك السفر بسبب ضيق الطريق فهو شارع واحد، ولسرعة سيارات النقل التي كنتُ أسافرُ فيها، ولكثرة حوادث السير التي أشاهدُها، قال: فينما أنا ذاهبٌ من مسجد الفلوجة الكبير الذي أدرسُ فيه إلى بغداد، رأيتُ الشيخ عبدالعزيز يتحدثُ مع بعض الناس، وكان عندي فسحة من الوقت فوقفتُ أستمعُ، فإذا بالشيخ يبدأ بكلام وقع في قلبي أنه يقصدني، قال الشيخ عبدالعزيز: استادي ـ وهي الكلمة التي يكررها الشيخُ كثيرا ـ المؤمنُ لا يموتُ إلا مرة واحدة ليقينه، وأما غير الصادق فيموتُ موتات كثيرة، كلما ركب سيارة قال: ستنقلبُ السيارةُ، وسيقعُ حادثُ كذا وكذا، قال أخي: فوقع في قلبي أنه يعنيني بالكلام، الشاهدُ: أنه بمجرد استماعي إلى تلك الكلمات من الشيخ رحمه الله تعالى أذهبَ اللهُ تعالى عني الخوف، حتى إني لما جئتُ إلى محل السيارات وكنتُ أحرص أن أركب بالباص لأنه أهدأ بالسير، بادرتُ إلى الركوب بسيارة صغيرة وأنا مطمئن، حتى إنه لم يركبْ فيها غيري، وجاء الباص وذهب وأنا جالسٌ في السيارة لوحدي، أي لم أنزل ولولا كلمة الشيخ لنزلت وركبت في الباص، قال: فإذا بالسائق يسير بسرعة وقال: لألحقنَّ بالباص ولا أدعه يغلبني فسار بسرعة فائقة حتى قال للمساعد الذي جنبه: هل خفتَ؟ قال أخي: أما أنا فم أخف، قال: فسبحان الذي أذهب عني ذلك الخوف، ثم إنه لحق الباص وسبقَه ووصلتُ أنا إلى محل عملي قبل الباص بوقتٍ طويلٍ، فالحمد لله رب العالمين، قال: وقد بقيتُ أدرس عند الشيخ عبدالعزيز رحمه الله تعالى مع أن عملي في أبي غريب قريبًا من بغداد، حتى يسَّر الله تعالى نقلي إلى الفلوجة في قصةٍ عجيبةٍ خلاصتُها:
أني كنتُ مترددًا في إعفاء اللحية، وكان الشيخُ عبدالعزيز يرى أنَّ حلقها حرام، ولكن إعفاءها في تلك الظروف قد يسببُ لي مشكلة ربما أدتْ إلى فصلي من العمل، فبقيتُ في التردُّد حتى أعانني الله على إعفائها فأعفيتُها، ومن العجب أنه لم يعترضْ علي أحد، ومَن اعترض فكان لمجرد الاستفسار عن السبب، ثم قرروا نقلي من محل عملي فطلبتُ أن أنقل إلى الفلوجة فنقلوني إلى مكان بعيد ببغداد، فعانيتُ من ذلك كثيرًا وبقيتُ بهذه الحال مدة عشرين يومًا، ولكنها تعدل أشهرًا كثيرة! وكان المسؤولُ عني قد وقف ضدي، وكان يتعجبُ من أن لي لحية فأتعبني كثيرًا، ومِن ذلك أنه وضع مكتبي بجنب مكتب امرأة متكشفة! فما كان مني إلا أنْ أكلمَ مسؤول الأمن واسمُه محمد المشهداني وأشرح له قصتي، فقال لي: إنَّ أبي سيد ورجل صالح وسأساعدك قدر ما أستطيع، فحاولَ نقلي إلى الفلوجة ولكن المسؤول الأعلى منه رفض ذلك بقوة، فنصحوني بأنْ أكلم المدير العام ....
يتبع
تراجم. العراق. العصر الحديث.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
رحمه الله رحمة واسعة واسكنه الفردوس الأعلى بجوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا - ونفعنا الله ورفعنا بعبادة الصالحين في كل مكان - جزاكم الله خيراً يابروف وفي انتظار تكملة هذا الحديث الطيب
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة