مدونة محمد كريم الساعدي


مسرح الشارع وتحديد المسار الاصطلاحي / الجزء الأول

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


25/12/2023 القراءات: 740  


إنَّ المنظور الذي نتناول فيه هذا المصطلح يأتي من كون (مسرح الشارع) غير متفق عليه بسبب عدم الارتكاز على المعنى الحقيقي المستقى من هذا المصطلح ، هل أن هذا المصطلح يعني المسرح ذو التوجه الخاص المختلف عن المسرح الذي يقدم في الأماكن الأخرى المغلقة أو المفتوحة لكونها محددة في بناية قد تكون سقوفها مفتوحة أو ما يشابه ذلك؟ أم أن المصطلح يطلق على التشابه الكامن بين عناصر العرض في المسرح عمومًا دون تحديد المكان الذي تقدم فيه العروض المسرحية ؟ ، ومن ناحية أخرى ، هل يأخذ هذا المصطلح حضوره المعرفي في أذهان الدارسين لهذه الظاهرة المسرحية في كون هذه العروض هي من أجل التسلية والمتعة من خلال الاستعراضات التي تقدم في أماكن مفتوحة مثل الاحتفالات بذكرى النصر ، أو الاحتفالات الدينية وغيرها ؟ ، أم أن هذه العروض لها غاية معينة قدمت على أساسها في الأماكن المفتوحة من أجل الإفلات من سلطة ما ،أو جهة رقابية ما وغيرها ؟ وإذا اختلف هذا المصطلح عن غيره من أنواع العروض المسرحية التي تقدم في الأماكن المغلقة ، هل من الممكن أن يقسم إلى أنواع أخرى داخل التقسيم ذاته وحسب الغرض المقام لأجله؟ أم لا ؟.
إنَّ الكتابات الجادة في هذا الموضوع قليلة نوعًا ما ، أو موجودة بشكل مبعثر في عدد من المؤلفات التي لا تشير إلى هذا الموضوع بشكل مباشر , لذا فإن الخوض في تحديد هذا المصطلح واشتغاله فنيًا ، وما هو الغرض منه، يحتاج إلى تحديد أهم ملامحه وتتبعها من خلال ما كتب عنه بشكل مباشر ، أو بشكل غير مباشر . وسنتناول في هذه الفقرة أهم ما يحدد مصطلح مسرح الشارع ، وبعد ذلك نحدد وجهة نظرنا في هذا الموضوع ومدى اتفاقها أو اختلافها في تحديد المصطلح .
يرى كل من (ألان ماكدونالد ، ستيفن ستيكلي ، فيليب هوثورن) في كتاب يحمل عنوان المصطلح نفسه (مسرح الشارع ) ، في معنى مصطلح (شارع) بقولهم الآتي : " عندما نقول شارع فإننا نعني فعلياً : حقلاً ،أو شاطئ بحر ، أو أحد الموالد ، أو كرنفالاً أو احتفالاً ، وهذا يعني في الحقيقة : أي مكان لا تجد له أبواباً ، حيث يتجمع الناس ،إذ من الطبيعي أن يكون لك متفرجون " (1). من جهة أولى، هم يميزون بين كلمة الشارع واستخدامها العرفي ، وبين ما يقصدونه من كلمة الشارع التي تعني مساحة مكانية يمكن أن تتحول إلى مساحة فنية يمكن تقديم عرض مسرحي عليها . ومن جهة ثانية : هم يميزون أيضاً بين المكان المسرحي الذي يحمل اسم الشارع وبين المكان التقليدي ،أو بناية المسرح التقليدية من حيث المكان ، أو ما يسمى بمسرح المكان المغلق ،أو مسرح العلبة ، أو أي مسرح يحمل ما يقابل المكان المفتوح في الشارع ، على اعتبار أن مسرح الشارع يمثل المكان المفتوح الذي لا تحدّه جدران وبين المكان الآخر الذي تحدّه جدران بغض النظر عن طبيعة المكانين ، أي أن تحديد مصطلح مسرح الشارع قائم على التمييز بين الحد واللّاحد ، وهذا ما يسوقونه في تميزهم بين المسرحين في تحديد شكل مصطلح مسرح الشارع من خلال السياق الآتي في كتابهم بالقول : " ونحن لا نعني بهذا المصطلح مسرح (شكسبير) ،أو مسرح (أجاثا كريستي) ، اللذين يقدمان في مكان عرض مزود بوسائل الراحة ، بل نعني به الفرجة المليئة بالضجيج والموسيقى والرقص والألعاب البهلوانية والقافية والإيقاع والألوان ، فهو بمعنى آخر : فرجة المسرح في أوسع معانيها وتعريفاتها ، وهو كشيء يختلف عن مستوى المسرحية ذات الفصول الثلاثة " (2). ويقصد بالمسرحية ذات الفصول الثلاثة هو ما يقدم من المسرحيات المعتادة داخل المسارح في أوروبا والغرب بصورة عامة . ومن خلال ما يحمله الكلام السابق من تحديدات في التفريق بين المصطلحين في كون أن مسرح الشارع من حيث الفرجة في أوسع معانيها حسب اعتقادهم فيه حرية أكبر من المكان التقليدي الذي يحتوي على قوانين خاصة بالفرجة من حيث المكان والوسائل التي تحدّ من اتساع دائرة الضجيج والموسيقى وغيرها التي يحتويها مسرح الشارع ، على اعتبار أن المسرح خارج الأطر التقليدية ، أو " الذي يقام ويؤدى خارج الأبواب يجب أن تكون به اضاءة من الورق الأزرق الحساس ويتضمن الحدث الذي يعزز الموضوع . وإذا لم يوجد به استعراض ، فسوف ينصرف الجمهور عنه ، ويفر منه . ولا تباع التذاكر في مثل هذا المسرح . بينما المكسب الوحيد والفائدة التي يجنيها أصحابه تتوقف على الممثلين والمؤدين الذين يستطيعون بمهاراتهم احتجاز الجمهور هؤلاء المتفرجين والاحتفاظ بهم حتى نهاية العرض "(3)، دون أن يكون لهؤلاء المتفرجين نصيب من الضجر الذي يوجده العرض الرتيب.


مسرح الشارع


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع