العنف بين التعليم و الأسرة
د/ بكاري مختار | Dr. BEKKARI mokhtar
29/11/2022 القراءات: 374
التنشئة والعنف الأسري
الرافد الأول للمعرفة بالنسبة للطفل هما الوالدان، بل يعتبران القدوة التي يبدأ الطفل بتقليدها في كل شيء. لذلك تعتبر السنوات الأربع الأولى بالنسبة للطفل، من أهم أعوامه التي تؤسس إلى صحته الجسدية، وصحته النفسية، والعاطفية.
ومن هنا يأتي الاهتمام في ضرورة اختيار الأكفأ والأصلح في الحياة الزوجية، وتشكيل مؤسسة أسرية تمتلك الرشد الكافي في ما هو موكل إليها من مهام وأهمها تربية الأطفال وصناعة الأجيال. وعند ظهور أي سلوك عنيف من الطفل في المدرسة في سنواته الأولى، تكون أولى نقاط البحث في الأسباب هي في ساحة الأسرة.كونها الساحة الأولى التي يتلقى فيها الإنسان علومه وأفكاره التي توجه وعيه وسلوكه.
لذلك تعتبر الأسرة مرحلة من أهم مراحل صناعة الإنسان ووعيه، كون العلم في الصغر كالنقش في الحجر، وهي أيضًا رافدًا من روافد التطرف وأسبابه. خاصة في حال توارث الأجيال المتعاقبة نفس نظم التربية بغثها وسمينها، بل حتى الأساليب التي كان يتبعها الأجداد والتي يعتدّ بها الأجيال اللاحقة كجزء من التراث الذي يفتخرون به، بل يدّعي بعضهم أن الشدة والقسوة كانتا سببًا هاما في إخراج أجيال قوية، وهنا يتضح انقلاب دلالات كثير من القيم والمفاهيم في منظومة التربية.
ويظهر أيضًا جليًا في ممارسة الأبناء لنفس منهج السلطة الأبوية في التربية، والتي تقوم على إلغاء ما وهبه الله بالقوة لكل إنسان وهي الارادة والحرية والاختيار، وهو إلغاء لتحويل هذه الموهبة بالقوة إلى الفعل من قبل الفرد الجديد أي الطفل، حيث بممارسة السلطة الأبوية في التربية فإن ذلك كفيل في بذر بذور التطرف والعنف في الطفل سواء لفظيًا أو سلوكيًا، حيث يتلقى الطفل منذ نعومة أظفاره على إلغاء حقه في الاختيار الحر الموجه، وفي إبداء أي رأي مخالف لسلطة الأب أو الوالدين، بحجة الاحترام وعدم معصية الوالدين، وهو ما لا مدخلية له لا بالاحترام ولا المعصية، بل هو نوع من الاستبداد الذي توارثه الآباء من الأجداد، ويمارسونه نتيجة التنميط الوراثي والاجتماعي، وعدم محاولة الخروج من هذا النمط الوراثي والاجتماعي، وغياب الوعي الفارق بين الأجيال، والأساليب، والنظم التربوية، دون المساس بالأسس والثوابت. وبذلك تنمو أجيال أخرى معنفة أسريًا، وتملك بذور الإقصاء، والتطرف، وأحادية الرأي والتفكير.
واليوم ما نحتاجه هو عملية تأهيل شاملة قبل مرحلة الزواج، هذا التأهيل ليس مجرد معلومات تدرس أو تلقن، بل تأهيل يحقق الرشد بأهمية المؤسسة الأسرية، وتوزيع الأدوار فيها، وأهلية كلا الزوجين للإنجاب والتربية، خاصة التربية المرتكزة على القيم الإيجابية والأخلاق، وإرساء الأساس واللبنة الأولى في وعي وإدراك الطفل.
بمجرد الزواج وقبول الطرفين لا يعني أهلية الطرفين لتشكيل بناء أسرى، والدليل نسبة الطلاق المرتفعة والتي وصلت إلى ٥٦٪ في الزيجات الحديثة حسب آخر الإحصاءات، وارتفاع هذه النسبة دليل على عدم رشد الأطراف بأهمية المؤسسة الأسرية، فاشتراط الزواج بالبلوغ والقبول ليس كافيًا لبناء أسرة على أسس صحيحة، بل يفترض أن يضاف له الرشد الذي يوثق إدراك الأطراف المعنية للمسؤولية المنوطة بكل طرف، والتكافؤ في كافة المجالات بين الطرفين، وبفاعلية كل طرف في هذا البناء ودوره، وبوعي الفارق الزمني بين الأجيال والفرق بين الثوابت التربوية ومتغيراتها دون إفراط وتفريط.
العنف والمناهج التعليمية:
المدرسة هي المكان الذي يقضي فيه الإنسان وقتًا طويلًا من عمره، وهي المكان الذي يصنع مركز أفكار الإنسان، وبالتالي عقله الذي يوجه سلوكه وأخلاقه. فعدد الساعات التي يقضيها الطفل يوميًا في المدرسة يتراوح بين ٧-٨ ساعات يوميًا. وإن قسناها على ساعات وجوده في المنزل وساعات النوم مع ساعات اليوم، نجدها تقريبًا منتصف وقته.
فهو ينام ٨ ساعات يوميا، ويقضي ٨ ساعات في المنزل وقد تكون مقسمة بين دراسته وأسرته وأصدقائه، بالتالي أطول فترة يبقى فيها الطفل في تواصل مستديم مع محيطه هو المدرسة.
وأي تقدم في أي أمة أو مجتمع يعتمد على التقدم في التعليم وفي المناهج التي تصنع الإنسان وأفكاره، وعندما تريد قتل مجتمع، فما عليك إلا أن تحول مناهج التعليم إلى مناهج تلقينية خالية من الفلسفة ومنهج السؤال السقراطي. حتى تنمي في الطفل عملية التنميط، وتقتل ثقافة السؤال والإبداع وحرية التفكير واتساع الأفق.
وبمجرد أن يصبح الطفل تلقيني المنهج، سيصبح أحادي التفكير وهو ما يخلق لديه انكفاء على الذات، والبقاء في صندوق ضيق يرى العالم من خلاله، وتدريجيًا لا يعترف إلا بالأنماط الشبيهة له اجتماعيًا، وهنا تنمو حالة التطرف تدريجيًا، وإذا كانت مقرونة بتشريعات دينية متطرفة تكفر الآخر، فهنا يصبح تطرف مشرعن دينيًا، وقد يتحول تدريجيًا إلى عنف سلوكي يهدد استقرار المجتمع وأمنه.
لذلك تولي الدول المتقدمة أهمية قصوى لمناهج التعليم وآلياته، بل تولي أهمية قصوى لقيمة المعلم وقدراته وكفاءاته، لما للمنهج وللمعلم من دور جدا محوري في تقدم المجتمعات، فهما مصنع الأجيال.
العنف ،التعليم ،الأسرة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة