مدونة ياسر جابر الجمال


مذكرات السيد حافظ والتقنيات الفنية .(1)

ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal


21/01/2024 القراءات: 119  


لا شك أن الجزء الفني من أي دراسة ينهض على قضايا متعددة، تساهم بصورة أو بأخرى في قيمة العمل الأدبي، ومن ذلك التقنيات المعاصرة المتعلقة بالكتابات السردية كالرواية والسيرة الذاتية، وسرد الرواية ورواية السرد، والمذكرات ، ويأتي على قائمة هذه التقنيات قضية الأسلوب .
الأسلوب :
الأسلوب هو ذاك النمط الكتابي الذي يسير المؤلف وفقه على أمتداد عمله أي كان؛ وهو في النهاية لا يخرج عن نمطي القسمة العقلية للأسلوب ، بين الخبري والإنشائي، ونحن في هذه الجزئية نركز على الأسلوب كونه تقنية داعمة وبصورة مباشرة العمل الإبداعي الذي ينجزه الكاتب؛ لذلك كانت الأهتمامات به منذ العصور القديمة، وفي ذلك يقول : يقول "ارسطو" : "حقا لو إننا نستطيع أن نستجيب إلى الصواب، ونرعى الأمانة من حيث هي لما كانت لنا حاجة إلى الأسلوب ومقتضياته، لكن علينا أن لا نعتمد في الدفاع عن رأينا على شيء سوى البرهنة على الحقيقة، ولكن كثيرا ممن يصغون إلى براهيننا يتأثرون بمشاعرهم أكثر مما يتأثرون بعقولهم، فهم في حاجة إلى وسائل الأسلوب أكثر من حاجتهم إلى الحجّة."( )
وقد أسس العلماء العرب لقضية الأسلوب بصورة دقيقة، ومن ذبك يقول ابن منظور:" يقال للسطر من النخيل: أسلوب، وكل طريق ممتد فهو أسلوب, والأسلوب: الطريق والوجه والمذهب"( )
ومن كلام ابن منظور يتضح أهمية الأسلوب، ومدى دوره في السياق الكلامي، والدلالة المعرفية .
يقول ابن قتيبة : "... والشاعر المجيد من سلك هذه الأساليب، وعدل بين هذه الأقسام، فلم يجعل واحدا منها أغلب على الشعر، ولم يطل فيملّ السامعين، ولم يقطعْ وبالنفوس ظمأ إلى المزيد"( )
ويرى القاضي علي بن عبد العزيز "إن اختلاف القوم في نظم أشعارهم إنما هو نابع من اختلاف طبائعهم, وتركيب خلقهم "( )
ومن ذلك يمكننا القول إن الأساليب تختلف باختلاف القضايا المتناولة؛ لذلك "فإن المدح بالشجاعة والبأس يتميز عن المدح باللباقة والظرف, ووصف الحرب والسلاح ليس كوصف المجلس والمدام, فلكل واحد من الأمرين نهج هو أملك به, وطريق لا يشاركه الآخر فيه"( )
وحديثًا فإن الأسلوب هو "الصورة اللفظية التي يعبّر بها عن المعنى, أو نظم الكلام وتأليفه لأداء الأفكار، وعرض الخيال، أو هو العبارات اللفظية المنسقة لأداء المعاني"( )
اعتمد الكاتب أسلوبًا تقريرًا معتمد ًاعلى سرد حقائق وقعت معه في أوقات متفرقة،وأماكن متعدد، وهو بذلك بعيد عن الأسلوب الإنشائي إلا في القيليل النادر على مدار المذكرات ، ومن ذلك قوله :" غدا عيد ميلادي وبكل أسف لم أجد غلاف مجلة ثقافية عربية أو مصرية يذكر الناس بي؛ لأن الغالبية العظمى من رؤساء تحرير المجلات الثقافية - ليس كلهم- من أنصاف المواهب ومحدودي الفكر. ومحدودي الإبداع، أي على رأي "يوسف إدريس" البين بين، نحن بلد البين بين، تحب البين بين، أنا أحب مصر وأحب الوطن العربي، مصر ستبقى وستحارب المبدعين من أولادها وتنفيهم ثم تتذكرهم بعد أجيال"( ).
وهذا الأسلوب على امتداد المذكرات ،وكافة القضايا، هو تقرير الحقائق ، وبثها في قالب أدبي يتخلله بعض النقاط الإنشائية، وهذا يتناسب مع المقام التقريري والمقام الأدبي في سرد الوقائع .
الراوي :
الراوي في العمل السردي هو الأساس الذي ينهض عليه العمل الأدبي، فقد يكون هو بطل ذلك العمل، وفي هذه الحالة تكون سيرة ذاتية ، وقد يكون غير البطل، وهنا يطلق عليها سيرة غيرية، أو قد يكون الراوي مشاركًا في جل الأحداث أو صانعًا لها أو جزء منها، وفي كافة الأحوال فإم الراوي في الكتابة الأدبية دوره محوري ، ومؤسس عليه تقنيات متعددة، ومتنوعة، يقول "محمد عزام":" تتشكل البنية السردية للخطاب من تضافر ثلاثة مكونات هي: الراوي، والمروي، والمروي له. فـ (الراوي) هو الشخص الذي يروي الحكاية أو يُخبر عنها، سواء كانت حقيقة أم متخيّلة. ولا يُشترط فيه أن يكون اسماً متعيّناً، فقد يتقنّع بضمير ما، أو يُرمزلـه بحرف. و(المروي) هو كل ما يصدر عن الراوي، وينتظم لتشكيل مجموع من الأحداث تقترن بأشخاص، ويؤطرها فضاء من الزمان والمكان. وأما (المروي له) فهو الذي يتلقى ما يرسله الراوي."( )
و الراوي في هذه المذكرات حاضر ومشارك في الأحداث وجزء منها؛ صانعها في أغلب الأوقات، فهو يسرد ما حدث معه مشفوعًا ببيان الموقف منه، وكثيرًا ما يقول حدث معي كذا، فعل فلان كذا، تعرضت لكذا، ويسوق الأمثلة بذكر الشخصيات الأخرى المشاركة في الموقف وبيان مدى دورها فيه.
فالراو ي في المذكرات حاضر ومشارك في صناعتها ، فكثيرًا ما يسرد "السيد حافظ" مواقًفًا فيقول : تعرضت لكذا ، فعل معي كذا ، والأمثلة على ذلك كثيرة بين الشخصيات الجميلة في حياتي، والشخصيات السيئة،كقوله تحت عنوان: (حكاية كتابى الثالث كبرياء التفاهة فى بلاد اللا معنى) :" في هذه الحلقة سأتحدث عن كتابي الثالث الذي طبع عام 1970م أثناء تواجدي بالقاهرة في كلية دار العلوم، كنت قد التحقت بكلية دار العلوم كي أذهب وأقيم بالقاهرة وخاصة أن أخي الأكبر الأديب الكبير "محمد حافظ رجب" أخذني معه إلى القاهرة في عامي 1966م و1968م، قابلت الأدباء والشعراء "الأبنودي" و"يحيى الطاهر عبد الله " و"إبراهيم أصلان" و"إبراهيم منصور" و"إبراهيم فتحي" و"نجيب محفوظ" . في هذا الجو العظيم كانت القاهرة سحرا جميلا "( )
وغير ذلك من المقاطع على امتداد المذكرات التي تؤكد هذه الرؤية حول الراوي.


مذكرات السيد حافظ والتقنيات الفنية .


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع