مدونة د.اعتزاز عبدالرحمن مصطفي محمداني


العمارة العصبية واثرها في تحسين الصحة النفسية في المجتمعات العربية

اعتزاز عبدالرحمن مصطفي محمداني | Dr. Eatezaz Abdelrahman Mohammedani


14/10/2023 القراءات: 882  


في اليوم العالمي للصحة النفسية والذي يصادف العاشر من أكتوبر من كل عام أود أن أسلط الضوء على تأثير المباني على حالتنا النفسية وكيف يمكن للعمارة العصبية أن تساهم في تحسينها. وهي مجال من العلوم السلوكية يدرس تفاعل الإنسان مع البيئة المبنية وكيف تؤثر على نشاطه العصبي والهرموني والجيني. يهدف هذا المجال إلى تصميم مبانٍ تتوافق مع احتياجاتنا البشرية وتحقق التوازن بين الجوانب الوظيفية والجمالية والصحية.
تزداد اهمية الموضوع في ظل التغيرات السريعة التي تشهدها المدن والمجالات الحضرية، والتي تؤثر بشكل مباشر على شكل وطبيعة المباني التي نسكنها ونعمل فيها ونتفاعل معها. وبحسب بعض الدراسات، فإن المباني التي نقضي فيها معظم أوقاتنا، سواء كانت منازل أو مدارس أو مكاتب أو مستشفيات، تلعب دورًا هامًا في تشكيل شخصيتنا ومزاجنا وأدائنا. فالمباني التي تتمتع بإضاءة طبيعية وتهوية جيدة وألوان مريحة وخضرة داخلية وخارجية تساعد على خفض مستوى التوتر وزيادة الإبداع والإنتاجية والتعلم. بالمقابل، المباني التي تفتقر إلى هذه العناصر تسبب ضغطًا نفسيًا وانخفاضًا في المعنويات والتركيز.
لذلك، يجب أن نولي اهتمامًا أكبر للمساحات التي نعيش فيها ونعمل فيها، وأن نطالب بتطبيق مبادئ العمارة العصبية في تصميمها وتشييدها. فهذه المبادئ لا تستفيد فقط صحتنا النفسية، بل أيضًا صحتنا الجسدية والبيئية. فالمباني الصديقة للإنسان هي أيضًا صديقة للطبيعة، حيث تستخدم موادًا مستدامة وتقلل من استهلاك الطاقة والماء والنفايات. إنها رؤية شاملة للحياة تجمع بين الجمال والرفاهية والمسؤولية.
تاريخ العمارة العصبية يعود إلى أوائل القرن العشرين، عندما بدأ علماء النفس والفسيولوجيا والطب في دراسة تأثير المحيط على سلوك وإحساس الإنسان، في منتصف القرن، ظهرت نظريات جديدة مثل علم التخطيط المدرسي والتصميم المشارك والتصميم المستدام، التي ركزت على دور المستخدم في صنع المباني. في أواخر القرن، بدأت التقنيات الحديثة مثل التصوير بالرنين المغناطيسي والتخطيط بالإشعاع المقطعي للدماغ في إظهار كيف يتغير نشاط دماغنا تحت تأثير مختلف العوامل المحيطة.
في القرن الحادي والعشرين، أصبحت العمارة العصبية مجالًا متعدد التخصصات يجمع بين علماء الأعصاب والمهندسين والمهندسين المعماريين والفنانين والمصممين. هذه المجموعة المتنوعة من المختصين تسعى إلى إثراء حياتنا من خلال خلق مبانٍ تحفز دماغنا بشكل إيجابي وتزودنا بالراحة والأمان والسعادة.
مبادئ العمارة العصبية تستند إلى فهم كيف يتلقى ويعالج دماغنا المعلومات المرئية والسمعية واللمسية والشمية والذوقية من المحيط. هذه المعلومات تؤثر على مستوى التنشيط والانتباه والذاكرة والتعلم والإبداع والانفعالات لدينا. بناءً على ذلك، يحاول المصممون العصبيون إضفاء خصائص محددة على المباني لتحقيق أهداف مختلفة. بعض هذه الخصائص هي:
- الإضاءة: تؤثر الإضاءة على دورات نومنا وحالتنا المزاجية وقدرتنا على التركيز. يفضل استخدام الإضاءة الطبيعية أو المحاكية لها، وتجنب الإضاءة الزائدة أو المتقطعة أو المتغيرة بشكل مفاجئ.
- التهوية: تؤثر التهوية على جودة الهواء ودرجة حرارته ورطوبته، مما يؤثر على صحتنا التنفسية والجلدية والحساسية. يفضل استخدام التهوية الطبيعية أو المحسَّنة لها، وتجنب التهوية الضعيفة أو الملوثة أو المزودة بروائح قوية.
- الألوان: تؤثر الألوان على نشاط دماغنا وانفعالاتنا واتخاذ قراراتنا. يفضل استخدام الألوان التي تتناسب مع طبيعة المكان والغرض منه، مثل الألوان الدافئة في المنازل أو الألوان الباردة في المكاتب.
- الخضرة: تؤثر الخضرة على مستوى التوتر والقلق والاكتئاب لدينا، كما تساعد على تحسين جودة الهواء والصوت. يفضل استخدام الخضرة داخل المباني أو في محيطها، سواء كانت نباتات حية أو صناعية أو صور لها.
- الشكل: يؤثر الشكل على إدراكنا للمساحة والحركة والتناغم والتنوع. يفضل استخدام الأشكال التي تتماشى مع النسب الذهبية أو نمط فيبوناتشي، وتجنب الأشكال المتكررة أو المنحنية أو المتقاطعة بشكل مزعج.
هناك العديد من الأمثلة على المباني التي تستخدم مبادئ العمارة العصبية في تصميمها وتشييدها. بعض هذه الأمثلة هي:
- معهد سالك للدراسات البيولوجية في كاليفورنيا، وهو مركز بحثي في مجالات علم الأحياء الجزيئية والوراثة وعلم الأعصاب وعلم النبات. صمم هذا المعهد المهندس المعماري لويس كان بطلب من جوناس سالك، مخترع لقاح شلل الأطفال، الذي أراد أن يكون المكان مصدر إلهام للعلماء. يتميز المعهد بإطلالته على المحيط الهادئ وإضاءته الطبيعية وتهويته المثالية وخضرته المحيطة ،شكل رقم (1)
- جامعة زاير في زامبابوي، وهي جامعة خاصة تقدم برامج في مجالات التربية والإدارة والقانون والإعلام. صمم هذه الجامعة المهندس المعماري ماكسيل كروغر بالتعاون مع علماء الأعصاب من جامعة كولونيا في ألمانيا. استخدموا تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي لقياس ردود فعل دماغ طلاب زامبابوي على مختلف التصاميم. اختاروا التصاميم التي تحفز نشاط دماغ طلاب زامبابوى بشكل إيجابى. يتضمن المشروع استخدام أشكال منحنية وألوان زاهية وخضرة داخلية
- بناءً على ما سبق، أقترح بعض التوصيات التالية:
- أن يكون التصميم المعماري للمباني مراعللحاجات والتطلعات والقيم النفسية والثقافية للسكان، وأن يشجع على التواصل والتفاعل الإيجابي بينهم.
- أن تكون المباني ذات جودة عالية من حيث المواد والتشطيبات والخدمات، وأن توفر بيئة صحية وآمنة ومريحة للسكان، وأن تحافظ على استدامتها وصيانتها.
- أن تكون المباني متعددة الوظائف والإستخدامات، وأن تلبي احتياجات مختلف فئات المجتمع، مثل الأطفال والشباب والكبار وذوي الإحتياجات الخاصة، وأن تشمل مساحات خضراء وترفيهية.
- أن تكون المباني ذات جمالية معمارية تناسب ذوق وإحساس السكان، وأن تضفي على المدينة هوية مميزة، وأن تكون متناغمة مع البيئة المحلية من حيث المناخ والطبوغراف


العمارة العصبية، الصحة النفسية، جودة الحياة، البيئة المبنية ، السلوك


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع