نص مسرحية (صانع الأشياء الأصم) نص مسرحي ما بعد كولونيالي تأليف : محمد كريم الساعدي / الجزء الأول
أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi
30/05/2024 القراءات: 742
اللوحة الأولى
(بقعة وسط المسرح ... صوت دعاء غير واضح الصوت وكأنه ينبئ بالفجر يتخلله صوت الدعاء وضجيج متصاعد .. يتخلله صراع أصوات متداخلة كثيرة تتقاطع بكلمات غير واضحة أسمع .. لا تسمع... أسمع ... لا تسمع تتصاعد الضوضاء إلى تُقطع بضربة قوية وكأنها تحول المكان إلى فراغ يعمّه الصمت المطبق )
صانع الأشياء الأصم : (ينهض وهو يعيش حالة من الدهشة العميقة للفراغ الذي حوله )
ح ... احا .... حا .. أه آه آه أه أصوتي يخرج من فمي؟
لكني لا أسمعه ..
حا حا حا .. آه آه آه .. ما هذا الفراغ الذي يملأ المكان؟
الأشياء موجودة ! لكنها صامتة ( ينهض ويبحث عن أي شيء يثير الصوت .. يضرب كل ما حوله علّه يثير صوتاً يكسر الصمت المطبق )
هَي ..هٍي .. هو هي .. يا أشيائي التي عاشرتني منذ ولادتي كان صوتكم معي ، أجيبوني، حتى وأن كانت الإجابة بضربةٍ على رأسي أو جسدي.
(يضرب نفسه بقوة وباستمرار حتى يسقط على الأرض ..يعقب ذلك صمت لبرهة من الزمن ثم ينهض ) ..
كل الأشياء صماء مثلي لا تستطيع أن الإجابة ..
( بذهول يصاحبه دهشة ثم صمت ... بعدها يضحك بصوت عالي وكأنه وجد الإجابة عن تساؤلاته )
بالتأكيد ، فهي لا تسمع ! .. ومن ثم ، فالسمع يحتاج إلى كائن مثلي
أي نعم مثلي ... كائن بشري .. بشري .. بشري .
(يضحك بسعادة ) وجدت الحل (بثقة زائدة ) .. أنا لست أصماً ـ
بل الأشياء من حولي صماء ...
كم كنت غبياً حين تصورت أنني لا أسمع .. الحقيقة هي أن الأشياء هي التي لا تتكلم ولا تسمع
(يمسك بأشيائه المختلفة من أجل استنطاقها .. يضعها على إذنيه ويحاول أن يحاكي أصواتها )
اعتقدت أنكِ تتكلمين هكذا خخخخخ ،
أو هكذا بم بم بم ...
أو هكذا طاق طاق طاق ..
أليس كذلك؟ ، (يعيد ضرباتها على رأسه بلطف )
لكن لا خخخخخ ولا بم بم بم ، ولا طق طق طق ..
(بحزن وكأنه يتذكر مشكلة السمع لديه )
ألم أقل لكم يا أشيائي أنكم لا تستطيعون الكلام مثلي ولا تستطيعون الكلام معي .
(يحاول أن يقنع نفسه بأن المشكلة في الأشياء .... يثور بحركات هستيرية ) أنتم الذين لا تسمعونني ولا تتكلمون معي .
أنتم تعارضونني وتحتجون علَي..
تطلبون مني طلبات تعجيزية .. أنا لا أستطيع أن ألبي رغباتكم ومن ثم فإنكم تعصون أمري بفعلكم هذا ... وتخالفون سلطتي عليكم
هذه السلطة التي أوجدني عليها من أوجدني . لهذا السبب تتظاهرون بالصمم وحتى بالعمى .
وهذا أسلوب جديد في المعارضة ضدي ، أي نعم ضدي .
أنتم بالضد مني ومن سلطتي.
إذاً انتظروني سأضع شروطي عليكم حتى تتكلموا معي ولو بالقوة ، نعم القوة هي الحل الوحيد ، لأن العقل لا يفيد في هذا الزمن .
تسلبونني أهم مقومات سلطتي في معرفة الأشياء ، هي سلطة السمع كما هي سلطة البصر ، هل فهمتم ؟
أنا لا أتنازل عن سلطة السمع مهما كلفني الأمر .
اللوحة الثانية
( يبدأ بترتيب بقايا الحطام الغرفة على شكل جمهور .. يقف على مكان مرتفع في أحد زوايا المسرح ليلقي خطابه على الأشياء حتى يلزمها بالطاعة )
صانع الأشياء الأصم : أن سأرتقي منبري حتى ألقي خطاباً عليكم .
من يريد أن يغادر عالمي فليخرج من الغرفة فوراً
ومن يؤيدني ويعظم مكانتي السمعية والبصرية لديه
فلينصت لخطابي المهم وسأوضح فيه علاقتي مع شعبي
(ينزل من المنبر وكأنه يناقش الأشياء )
خطابي يا أشيائي سيكون باللغة المشتركة بيني وبينكم وما عليكم إلا السمع والطاعة .
(يعود إلى المنبر ) يا أشياء غرفتي المجيدة
المجيدة عليكم وليس على غرفتي ..
(ينظر إليهم بعدم الرضا)
ها لا تقبلوا ذلك .. طيب أعيد ترتيب كلمات الخطاب ..
يا أشيائي المهمة في غرفتي المجيدة ..
أنتم الأشياء المهمة وغرفتي هي المجيدة ..
ماذا ؟ .. لا تفقهون شيئاً مما أقول ...
طيب سأعيد الخطاب عليكم لكن هذه المرة بلغتكم أنتم ..
يا أشيائي في الغرفة طق طق طق طق حا حا حا بم ببمم طاق
.. طاق ططاق ببم طاق طاق حا حا حا ..
(يبتسم ابتسامة عريضة .. وينزل اليهم )
لماذا لا تصفقون ولا تهتفون ، أعطيتكم امتيازات كثيرة
منها حرية تكوين أشياء أخرى في داخل الغرفة ولكن ستكون لخدمتي أيضاً (بضحكة فيها نبرة الانتصار)
والتكوين يعني أن نصنع من أشلائكم المقطعة بسبب غضبي أشياء أخرى تدخل في خدمتي .
مثلاً نصنع من قدم الكرسي ألة للأنجاب .
أو دمية صغيرة تسليني وتذكرني بطفولتي التي لا أذكر عنها شيئاً أصلاً
أو نصنع منها فوهة بندقية نحارب بها العدو الذي يريد أن يمنعكم من السعادة بي وبرؤيتي كل لحظة .
دعوني أكمل لكم امتيازاتكم في خطابي المُلهم لكم
(يعود إلى منبره مرة أخرى )
يا أشيائي السعيدة برؤيتي
(مع ابتسامة عريضة )
بم ببمبم طاق طاق حا حا حا ..
طاق طاق ططق طقق طاق حا حا بم بم ...
حا حا طق طقق طق طق بم بم بم ..
هل أنتم موافقون .
(يكررها ثلاث مرات )
يبدون أنكم موافقون على الإضافات الجديدة
هي لكم أيضاً وستجعل أيامكم سعيدة جداً جداً جداً .
ولآن رددوا معي قسم السمع والبصر والطاعة وقولوا
( يجلس معهم ويضع يده على صدره ويتوجه إلى المنبر )
يا قائدنا في غرفتنا المجيدة نحن نسمعك ونراك وأصواتنا كلها في إذنك
وأنت تسمعنا جيداً وترانا جيداً
ونحن الذين لا نسمع شيء من الأصوات إلا صوتك ... ولا نفقه من الكلام إلا كلامك ...
أنت من لديك الإحساس الكامل
ونحن لا نسمع إلا بأذنك ولا نرى إلا بعينك .
(يلتفت إلى الأشياء وكأنه يعلن الحقيقة )
والآن عدت إلى طبيعتي ، أنني أسمع ولأشياء هي الصماء .
مسرحية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة