مدونة د. أسماء صالح العامر


فىِ أَحْكَامِ الإِبْريسَم

د. أسماء صالح العامر | Asma saleh Al amer


15/12/2023 القراءات: 522  


الفصل الأول في مِاهيِيَّةِ الإِبْرِيسَمِ، وَهُوَ الحرِيرُ
إنَّ جوهر الحرير شديدُ اللين، شديدُ القبول للانثناء والانعطاف؛ وهو مع كل حالٍ، عسرُ الانقطاع. فلذلك، جوهره جوهرٌ لدنٌ شديد اللدونة. كان كذلك، فهو لا محالة مركَّبٌ من جوهرٍ مائىٍّ، ومن جوهرٍ أرضىٍّ؛ والامتزاج بينهما شديد الاستحكام، كما بيَّنَّاه فيما سَلَفَ.
ولابد فى الإبرسيم من جوهرٍ هوائى، وإلا لم يكن خفيفاً؛ ولابد من جوهرٍ نارىٍّ، وإلا لم يكن فيه إشراقٌ وبريقٌ. فلذلك، لابد أن يكون جوهر الإبريسم مركباً من مائيةٍ، وأرضيةٍ، وهوائيةٍ، ونارية . وأرضيته قليلة جداً ولذلك هو شديد اللين، فإن زيادة الأرضية يلزمها الصلابة أو الهشاشة، ونحوها؛ وذلك مما لا تجده فى جوهر الإبريسم.
وأفضله، ما كان أنقى جوهراً؛ لأن طبيعة هذا الصنف - لامحالة - أخلص فيكون الفضل (5) لها. فأفضل ذلك: ما كان مع ذلك شديد النعومة، لأن ما يكون كذلك فإن مادته تكون متشابهةً، فلا يكون فيها أجزاءٌ أرطب فتكون شديدة اللين، وأجزاءٌ أصلب، فتكون عسرة الامتداد، فتبقى جتمعة فى مواضع، فيصير الحريرُ لذلك، حسناً.
*في طَبِيعَتِهِ وأَفْعَاِله علَى الإِطْلاَقِ
لما كان الحريرُ مركَّباً من أجزاءٍ مائية، وأجزاءٍ أرضية، وأجزاءٍ هوائية وأجزاءٍ نارية؛ وجب أن يكون مزاجه قريباً جداً من الاعتدال، لأن أجزاءه هذه تتقاوم، فلا تستولى طبيعةٌ منها استيلاءً تاماً (1) قوياً.
ولولا ذلك، لكان يظهر فيه الطعمُ اللازم لغلبة واحدٍ من هذه الأجزاء كالعفوصة والمرارة اللازمتين للأرضية، والحرافة والحدة اللازمتين لغلبة النارية. ومع ذلك، فيجب أن يكون الإبريسم مع قربه من الاعتدال، مائلاً إلى الحرارة واليبوسة. أما الميل إلى الحرارة، فلأمرين. أحدهما: أن ما يلزم الحرارة من الكيفيات، فإنه فيه أظهر، وذلك كالإشراق والبريق ؛ فإن البرودة تنافى ذلك ويلزمها الكمودة ونحوها. وثانيهما: أن خِلْقة الحرير، إنما هى لتكون تدفيئاً لدود القزِّ، وما يُخلق للإدفاء ، فلابد وأن يكون مائلاً إلى الحرارة.
وأما الميلُ إلى اليبوسة. ونعنى (5) بذلك، أنه كذلك باعتبار تأثيره فى بدن الإنسان؛ فيدل على يبوسته، أن ما فيه (1) من الهوائية، ليست تفيد فى ترطيب البدن. فأما الرطوبة الهوائية - وهى بمعنى سهولة الانفعال - وذلك مما يلزمه أن يكون مرطِّباً للبدن، فلذلك إنما يكون ترطيبه بالمائية فقط، وذلك مما يزيد على يُبْس الأرضية والنارية.
فلذلك، لابد وأن يكون الإبريسم، يؤثِّر فى بدن الإنسان بيبوسته فيكون لامحالة يابساً. وجوهره - لامحالة - لطيفٌ، وذلك لأجل قلَّة أرضيته، لما قلناه. وما كان كذلك، فإن نفوذه يكون أسرع وأسهل. وما كان كذلك، فإن تأثيره فى المواضع البعيدة يكون أكثر. فلذلك، تسخينُ الحرير ويُبْسه - وإن كانا ى نفسهما قليلين - فإنهما لأجل لطافة جوهر الحرير، قد يكون تأثيرهما شديداً.
وقد علمت أن من شأن الحرارة التحليل، ومن شأنه اليبوسة التجفيف. وإذا كان المجفِّف محلِّلا، كان تجفيفه شديداً؛ فكذلك يكون تجفيف الإبريسم له قوةٌ ظاهرة (4) ، فلذلك هو مُنَقٍّ، وفيه تقطيع لأجل لطافته ونفوذه؛ فلذلك يسهل نفوذه بين أجزاء المادة فيفرِّقها إلى أجزاء، فلذلك هو مقطِّع.
وقد يُستعمل الحريرُ كما هو، وقد يستعمل مُحْرَقاً. فإذا كان محرقاً، فإنه لا محالة أشد تجفيفاً، ويكون له حِدَّةٌ ولذع، وذلك مما تحدثه فيه النارية المحرقة. فلذلك، يكون لذَّاعاً إذا لم يُغسل، وإذا غُسل فارقته الحرارة المستفادة بالإحراق، ويلزم ذلك أن تفارقه الحِدَّةُ واللذع . وأما تجفيفه، فلا يلزم أن يقل كثيراً؛ فكذلك الحريرُ إذا أُحرق وغُسل بعد ذلك، كان تجفيفه - مع أنه زائد - فهو خالٍ من اللذع والحدة. وأجودُ إحراقه: أن يجعل فى كوز، ويُسَدُّ رأسه ثم يودع الفرن أو يجعل فى رمادٍ حارٍّ.
وإذا كان الحريرُ غير محترق، فقد يستعمل جِرْمه، وقد تُستعمل سلاقته أو نقوعه. وإذا استُعمل جرمه، فلابد من تصغير أجزائه، وذلك قد يكون بالقرض البالغ - وهو الأفضل والأكثر - وقد يكون بالسَّحْق. وإنما يتأتَّى ذلك، إذا كان معه ما يعده لذلك، وذلك هو الأجسام الشديدة القبول للإسحاق، وهى الأجسام اليابسة، كالبُسَّذِ (2) واللؤلؤ والكهرباء (3) ونحو ذلك، بما يليق خلطه بالحرير.
وإذا استُعمل نقوعه أو سلاقته، فيجب أن يكون ذلك بعد إطالة مدة النقع وأن يكون النقع فى ماءٍ حارٍّ، أو فى رطوبة أخرى مسخِّنة. وكذلك، يجب أن تكثر (4) مدة طبخه، ويكثر غليانه. والسبب فى ذلك، أن أجزاء الحرير متلازمةٌ فإنما يسهل أن تنفصل منه أجزاءٌ تُمازج المائية، إذا فُعل به ما قلناه.


الإبريسم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع