نساء أخريات لا يأكلن ولا يشربن!
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
17/11/2022 القراءات: 938
ذكرتُ في مقال سابق خبر رحمة بنت إبراهيم التي أقامت أكثر من عشرين سنة لا تأكل ولا تشرب، وهذه أخبار نسوة أخريات في ذلك:
امرأة بصرية:
قال المؤرخ المباركُ بن أحمد اللخمي الإِربلي، المعروف بابن المستوفي (ت: ٦٣٧):
«حدَّثنا أبو محمد عبدالله بن أبي الفضل محمد بن أبي محمد بن الوليد البغدادي ورد إربلَ في محرّم سنة (624) ونزل بدار الحديث بها. وهو حافظٌ مكبٌّ على كتابة الحديث حدَّثنا مِن لفظه حديثَ المرأة التي بالبصرة المشهور ذكرُها، وكنا نسمع بحديثها منذ سنين عدة، وهي التي لا تأكلُ ولا تشربُ ولا تغوطُ، إنما تتغذى بالذِّكْر.
قال: وكنتُ أسمعُ عنها ذلك ولا أصدِّقه، حتى سمعتُ بحالها من الأمير باتكين والي البصرة، وقال لي: لا يجوز أنْ يُشك في حديثها فإنه صحيحٌ، شاهدتُها وعرفتُه.
قال: ولها كرامات كثيرة لا تعرفها هي، حدثَ ببعضها.
قال: وسَمع بها ابنُ أمسينا فأحضرَها وأغلق عليها بابًا نحوًا من ثلاثة أشهر، فما أكلتْ ولا شربتْ، ولا غاطتْ ولا أراقت الماء.
وحُدِّثتُ أنَّ سبب ذلك أن أباها صُودرَ ولها من العمر ثلاث عشرة سنة، فرأت النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام يسقيها شرابًا. [قالت]: فانتبهتُ وأقمتُ أيامًا لا أشتهي طعامًا ولا شرابًا، ثم تمادتْ بي الحال، فلي خمس وعشرون سنة على هذه الحال...» .
***
امرأتان أندلسيتان:
قال الصفدي (ت: 764):
«عائشة بنت ابن عاصم وخالة القائد الأجل أبي إسحاق ابن بلال، وهي أندلسية تُعرف بالصائمة، بقيتْ أزيد من عشرين سنة لا تأكل شيئًا قط.
قال الشيخ شمسُ الدين [الذهبي]: حدَّثني بقصتها غيرُ واحد ممنْ أدركها، وكانت بغرفةٍ لها على الجامع المُعلق بمدينة "الجزيرة الخضراء"، وتركُها الأكلَ أمرٌ شائعٌ لا ريب فيه، حدّثني بذلك أبو عبدالله ابن ربيع المحدِّث، ومحمد بن سعد العاشق، وتوفيتْ بعد عام سبع مئة بنحو خمس سنين» .
وقال المؤرخُ أحمد بن خالد السلاوي (ت: 1315):
«ومما هو الغاية في باب الإغراب ما ذكرَه ابنُ خلدون [في تاريخه 1/113] قال: حضر أشياخُنا بمجلس السلطان أبي الحسن وقد رُفع إليه امرأتان مِنْ أهل "الجزيرة الخضراء"، و"رُندة" حبَستا أنفسَهما عن الأكل جملةً منذ سنين، وشاع أمرُهما، ووقع اختبارُهما فصحَّ شأنُهما، واتصل على ذلك حالُهما إلى أنْ ماتتا.
وذكرَهما أيضًا الشيخُ أبو عبدالله محمد بن محمد بن أحمد المقري في كتابه المُسمى ب "المحاضرات" قال:
وردتْ على "تلمسان" في العشرة الخامسة من المئة الثامنة امرأة مِن "رُندة" لا تأكل ولا تشرب، ولا تبول ولا تتغوط، وتحيض، فلما اشتهر هذا مِنْ أمرها أنكرَه الفقيهُ أبو موسى ابنُ الإمام وتلا: (كانا يأكلان الطعام)، فأخذ الناسُ يبثون ثقات نسائهم ودهاتهن إليها، فكشفوا عنها بكل وجهٍ يمكنهن، فلم يقفنَ على غير ما ذُكر.
وسُئلتْ: هل تشتهين الطعام؟
فقالتْ: هل تشتهون التبنَ بين يدي الدواب؟!
وسُئلتْ: هل يأتيها شيء؟
فأخبرتْ أنها صامتْ ذات يومٍ، فأدركها الجوع والعطش، فنامتْ فأتاها آتٍ في النوم بطعام وشراب، فأكلتْ وشربتْ، فلما أفاقتْ وجدتْ نفسَها قد استغنتْ، فهيَ على تلك الحال تُؤتى في المنام بالطعام والشراب إلى الآن.
ولقد جعلها السلطانُ في موضعٍ بقصرهِ، وحفظَها بالعُدول ومَنْ يكشفُ عمّا عسى تجيء أمُّها بها إذا أتتْ إليها، أربعين يومًا، فلم يُوقف لها على أمر.
قال [المقري]: بيدَ أني أردتُّ أنْ:
يُزادَ في عدد العُدول.
ويُضمَّ إليهم الأطباء.
ومَنْ يخوضُ في المعقولات مِنْ علماء الملل: المسلمين وغيرهم.
ويُوكل مِن نساء الفرق مَنْ يبالغُ في كشف مَنْ يدخل إليها.
ولا يُترك أحدٌ يخلو بها.
وبالجملة يُبالغ في ذلك.
ويُستدام رعيُها عليه سنةً؛ لاحتمال أنْ يغلبَ عليها طبعٌ فتَستغني في فصلٍ دون فصلٍ.
ثم يُكتب هذا في العقود، ويُشاع أمرُه في العالم، وذلك لأنه:
يَهدمُ حكم الطبيعة الذي هو أضرُّ الأحكام على الشريعة.
ويُبيِّنُ كيفية غذاء أهل الجنة.
وأنَّ الحيض ليس مِنْ فضلات الغذاء.
ويُبطلُ التأثيرَ والتولدَ، ويُوجبُ أنَّ الاقترانات بالعادات لا باللزوم، وعند الأسباب لا بها، إلى غير ذلك.
إلا أني لمّا أشرتُ بهذا انقسمَ مَنْ أشرتُ عليه بتبليغه إلى مَنْ لم يفهمْ ما قلتُ، ومَنْ لم يرفعْ به رأسًا لإيثار الدنيا على الدين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال المقري: وقد ذُكر أنَّ امرأة أخرى كانت معها على تلك الحالة.
وحدثني غيرُ واحد من الثقات ممنْ أدركَ عائشة الجزَرية أنها كانت كذلك، وأنَّ عائشة بنت أبي بكر -يعني زوجة السلطان أبي الحسن التي استُشهدتْ في [معركة] طريف- اختبرَتها أربعين يومًا أيضًا.
وكم مِنْ آيةٍ أُضِيعتْ...» .
***
امرأة عراقية أخرى:
قال الذهبي (ت: 748) بعد أنْ ذكر خبر عائشة الجزرية الأندلسية:
"ولها نظيرةٌ كانت بناحية واسط بعد الست مئة ذكرَ شأنَها شيخُنا الفاروثي" .
***
امرأة مصرية:
قال اليافعي (ت: 768): «ذكرَ الشيخُ المشكورُ الوليُّ المشهورُ صفي الدين بن أبي المنصور، أنَّ امرأة بجيزة مصر أقامتْ ثلاثين سنة لا تأكل ولا تشرب، في مكان واحد، لا تتألم بحرٍّ ولا بردٍ» .
***
ولله في خلقه شؤون.
كرامات الصالحين. الرؤى الصادقة. عجائب الأخبار
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع