مدونة سيف بن سعيد العزري


هل تستحق المطلقة بعد انقضاء سنّ حضانة أولادها البقاء في منزل يوفره المطلق؟

سيف بن سعيد العزري | SAIF BIN SAID ALAZRI


15/09/2023 القراءات: 4237   الملف المرفق


طلّقَ زوجته منذ أكثرَ من عشر سنين، وكان له منها تسعة أولادٍ ذكوراً وإناثاً، منهم من كانَ في سنِّ الحضانة، فأسكنها مع أولادها في منزل يملكه، واستمرَّ الحالُ على ذلك حتى خرجَ كلُّ الأولادِ عنِ حدّ الحضانة، فحينَها تقدَّم إلى المحكمةِ بغيةَ إخراجِ مطلّقتِه منَ المنزلِ.
وبعدَ نظر الدعوى حكمت المحكمة بإلزامِ المدعى عليها بالخروجِ منَ المنزل؛ وذلك لأنّها ليستْ زوجة حتى يجبَ عليه توفيرُ مسكنٍ لها، وليستْ حاضنةً حتى يجبَ عليه تمكينَها من السكنِ مع المحضونينَ من أولاده.
الخلاصةُ: "إذا كانت المرأة مطلقة وليسَ من أولادها أحد تحت حضانتها فلا حقّ لها في البقاءِ في سكنٍ يوفّره المطلّق".
وللاطلاعِ على الحكم وتفاصيلِه فهو مرفق في الملف أعلاه


حكم قضائي، حضانة، منزل، مطلقة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


‏من مجمل ما ورد من مداخلات المتابعين في تويتر أود توضيح الآتي: ‏1-الحكم القضائي يفصل بين طرفي الخصومة وفق الطلبات المعروضة؛ فلا يصح للقاضي أن يحكم على غير طرفي الخصومة ولا أن يحكم بما لم يطلبه الخصوم. ‏2-القضاء يلزم بما هو واجب من الحقوق كالسكنى ونحوها، لا بما هو مندوب إليه من التفضل والإحسان بما فوق الواجب، ‏فالرجل لا يجب عليه أن يسكن مطلقته أم أولاده بعد انتهاء العدة، إلا أن تكون حاضنة فتسكن مع أولادها فيما يعده أبوهم من مسكن. ‏3-المرأة في الإسلام يجب الإتفاق عليها في كل مراحل حياتها، فتجب على أبيها ما دامت صغيرة، وعلى زوجها إن تزوجت، وعلى أبيها أو أولادها إن تطلقت أو ترمّلت، وذلك ما لم يكن لها مال يكفيها، والمرأة في هذه الدعوى لها أولاد كبار. ‏4-إطلاق الظلم على المدعي في شيء لا يجب عليه هو ظلمٌ لمسلم يجب على من أطلقه التوبة إلى الله منه. ‏5-العاطفة لا ينبغي أن تجرّ الإنسان إلى تجاوز حدود الله تعالى. ‏6-الرجل الظاهر من الدعوى أنه غير ميسور الحال، فهو بأشدّ الحاجة إلى منزل يأوي إليه، كما هو واضح من صحيفة الدعوى، ثم إنه رفع الدعوى بعد أن بلغ أصغر أولاده 16 عاماً، مع أنه قد يكون تجاوز حدّ الحضانة عندما بلغ السابعة، فصبر طول هذه المدة ولم يرفع الدعوى. ‏فالخلاصة؛ هوِّن على نفسك أيها المتابع، (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۚ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔولًا).


‏بعض المتابعين كما يظهر من مداخلاتهم يرى أن الحكم لم يكن فيه عمل بقول الله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم)، وللبيان أقول بأنّ الأحكام القضائية تجري على حدود الحقوق الواجبة؛ فلا يمكن أن يلزم القاضي أحداً بشيء ليس هو واجباً عليه، فلئن كان ينبغي للمطلق في مثل هذا الموضوع أن يحسن لمطلقته إكراماً لها بأن يتركها في المنزل مع أولادها إذا كان موسراً، إلا أنّ ذلك ليس واجباً عليه، فلا يمكن للمحكمة أن تلزمه بذلك. ‏والدليل على أنّ ذلك ليس واجباً عليه ما ورد في حديث فاطمة بنت قيس: <<طلَّقني زَوْجي ثلاثًا، فكان يرزُقُني طعامًا فيه شيءٌ، فقُلْتُ: واللهِ لئِنْ كانَتْ ليَ النَّفَقةُ والسُّكْنى لَأطلُبَنَّها، ولا أقبَلُ هذا، فقال الوكيلُ: ليس لكِ سُكْنَى ولا نفقةٌ! قالَتْ: فأتَيْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذكَرْتُ ذلكَ له! فقال: ليس لكِ سُكْنى ولا نفقةٌ، فاعتَدِّي عندَ فُلانةَ>>، فهي مطلقة الطلاق الثالث ولا سكنى لها ولا نفقة وهي لا تزال في العدة، فمن بابٍ أولى من خرجت من العدة من أيّ طلاق كان. ‏وقد نصّ المفسرون على أنّ الآية فيها الحضّ على ما هو فوق الواجب، يقول الشيخ السعدي في تفسيره: "معاملة الناس فيما بينهم على درجتين: إما عدل وإنصاف واجب, وهو: أخذ الواجب, وإعطاء الواجب. وإما فضل وإحسان, وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق, والغض مما في النفس"، ‏ويدلّ على ذلك أنّ سياق الآية إنما هو في معرض ذكر لزوم نصف الصداق للمرأة إذا طلقها الرجل قبل المسيس، وبعد قوله تعالى : (وأن تعفوا أقرب للتقوى)، قال البغويّ: " أي فالعفو أقرب للتقوى أي إلى التقوى والخطاب للرجال والنساء جميعا لأن المذكر والمؤنث إذا اجتمعا كانت الغلبة للمذكر معناه: وعفو بعضكم عن بعض أقرب للتقوى (ولا تنسوا الفضل بينكم) أي إفضال بعضكم على بعض بإعطاء الرجل تمام الصداق أو ترك المرأة نصيبها حثهما جميعا على الإحسان". ‏والمحكمة تقف من طرفي الخصومة على مسافة واحدة، لا يمكن أن تميل إلى الرجل ولا إلى المرأة، وإنما المعيار هو الحق يؤخذ ممن وجب عليه ليُعطى من وجب له، فلا مجال للتعاطف ولا للمجاملات.


‏كثير من مداخلات المتابعين والمتابعات فيها حثّ النساء على التمسّك بالوظيفة حتى تكون لها سنداً بعد الله تعالى إذا تخلّى عنها الرجال، وهذا في حدّ ذاته حقٌ مشروع للمرأة ما دامت وظيفة تناسب طبيعتها ولا تؤدي إلى الإخلال بواجباتها لزوجها ولأولادها، ‏بل الإسلام جعل للمرأة الحق في أن تكون لها ذمة مالية مستقلة عن أبيها وزوجها وأولادها، فالله تعالى يقول: (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ ۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ)، ‏ومنع الله تعالى الأزواج أن تمتدّ أيديهم إلى أموال زوجاتهم حيث يقول: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍۢ مَّكَانَ زَوْجٍۢ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَىٰهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْـًٔا ۚ أَتَأْخُذُونَهُۥ بُهْتَٰنًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)، ‏ويبيّن أنه لا يحلّ شيء من مال المرأة لأحد إلا أن يكون ذلك بطيب نفس منها، حيث يقول: (وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍۢ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيٓـًٔا مَّرِيٓـًٔا). ‏فالمرأة تحتاج إلى المال للتوسّع في المعيشة ولإكرام أهلها وذوي قرابتها وللإنفاق في وجوه الخير ونحو ذلك. ‏ولها أن تشترط قبل زواجها أن يلتزم الزوج بعدم منعها من العمل في وظيفة. ‏ولنا في السيدة خديجة - رضي الله عنها - المثل الأعلى؛ فقد كانت إحدى النساء الثريّات في مكة، وكانت لها تجارة، وعمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تجارتها قبل بعثته.


‏من مجمل مداخلات المتابعين والمتابعات تبيّن أنّ هناك ما يحتاج إلى توضيح في تصوّر استقلال الذمّة الماليّة للمرأة، ‏هناك من يريد المرأة تعمل ويكون لها مصدر دخل ولو أدّى ذلك إلى إخلالها بواجباتها لزوجها وأولادها، ‏وهناك من يرى أن سعي المرأة لاستقلال ذمتها المالية هو سعي منها لهدم العلاقة الزوجية، ‏وكلا التصوّرين خطأٌ؛ فالعلاقة الزوجية قائمة على الحقوق المتبادلة بين الزوجين، فكلّ حق له طرفان باذل للحق وآخذ له، ‏فالزوجة لها الحق في تكوين استقلال ذمتها المالية، بما لا يخلّ بواجباتها الزوجية، ‏وبهذا يحصل التواؤم والتوافق والتكامل بين الزوجين في ظلّ علاقة زوجية سعيدة، ولا بدّ من التعاون في سبيل ذلك. ‏أمّا حرص المرأة على العمل من غير مراعاة حق الزوج فهذا يؤدي إلى انهيار بناء العلاقة الزوجية، ‏وحرص الرجل على منع المرأة من تكوين استقلال ذمتها المالية مع مراعاتها لحقوقه الزوجية فهو كذلك يُسهم في هدم بناء العلاقة الزوجية.


‏بعض المتابعين يقول بأنّ المطلقات لهنّ حق في بيوت الزوجية؛ بدليل إضافة البيوت لهنّ في قول الله تعالى: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّآ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍۢ مُّبَيِّنَةٍ)، وهذا التصوّر غير صحيح: ‏أولاً: الإضافة هنا إضافة إسكان، وليست إضافة تمليك، فهي من قبيل المجاز. ‏وثانياً: هذا الإسكان له غاية ونهاية وهو انتهاء العدة، كما يؤخذ من السياق السابق فهي بعد الأمر بإحصاء العدة، ومن السياق التالي في الآيات، لأنّ الله تعالى رتّب على هذا الطلاق عند انتهاء الأجل إما الإمساك وهو الرجعة أو المفارقة وهو عدم الرجعة في العدة، ‏كما أن الله تعالى يقول من بعد: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ ۚ وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمْلٍۢ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍۢ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُۥٓ أُخْرَىٰ)، فالسكن هو إلى حين انتهاء العدة.