مدونة البرفسيور محمد عبد الرحمن يونس
منظومة الفساد والاستبداد في الجامعات العربية المعاصرة الجزء الأول
البروفسيور محمد عبد الرحمن يونس | professor : Mohammad Abdul Rahman Younes
18/01/2023 القراءات: 684
منظومة الفساد والاستبداد في الجامعات العربية المعاصرة
الجزء الأول ( 1 من 3 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ. د. محمد عبد الرحمن يونس
Professor . Mohammad Abdul Rahman Younes
الأستاذ الجامعي هو عماد البحث العلمي والأكاديمي، وهو الركن الأساس الذي تقوم عليه العملية التعليمية في الجامعات كلها، وإذا أصبح هذا الأستاذ عاجزا عن أداء مهمته على أكمل وجه، تدنّى مستوى التعليم تدنيا كبيرا في الجامعات.
فهل يتحمّل الأستاذ الجامعي مسؤولية ضعف التعليم في الوطن العربي وتراجعه؟
إذا كان الأستاذ الجامعي عماد العملية التعليمية فإنّه يتحمل جزءا لا بأس به في ضعف التعليم وتأخره في عالمنا العربي، غير أنّ هناك أجزاء أخرى كثيرة تسهم في ضعف هذه العملية، منها: النظام الإداري المؤسساتي الجامعي الذي يتحكم في بنية الجامعة وعلاقاتها وقيمها وسير التعليم فيها، فالجامعة عندنا في عالمنا لعربي محكومة بمجموعة من المعايير والضوابط العجيبة التي تسهم في تخلّف التعليم العالي، وتؤخّره. إن رئيس أي جامعة عربية أو مديرها يظنّ أن الجامعة ملك له ولأبيه ولزوجته وبنيه، وعميد الكلية في هذه الجامعة أو تلك يعتقد أنّ كليته عقار من عقاراته وأملاكه الخاصة، ورئيس أي قسم في هذه الكلية أو تلك يرى أنّه أهمّ عضو فيها، وأنّ على جميع أعضاء قسمه أن يقدّموا له ولاء الطاعة و الاحترام والتبجيل، وأنه سيد للقسم، وأن القسم ليس إلاَ تحفة من التحف الفنيّة التي يجب أن تكون ملكا له، وتعرض ضمن تحفه الخاصة داخل منزله.
إنّ غياب الديمقراطية وروح الحوار الأكاديمي الخلاّق في جامعاتنا هي من أهم أسباب تخلّف التعليم الجامعي العالي عندنا في مؤسساتنا الجامعية العامة والخاصة، وهذا الغياب بدوره يولّد نوعا من الاستبداد الذي تمارسه إدارة الجامعة أو الكلية ضد أساتذتها وطلابها في آن، و داخل هذا الجوّ يظلّ الأستاذ الجامعي قلقا ومتوترا وفاقدا لحريته، وعاجزا عن الإسهام في التغيير والتطوير. وأمام استبداد الإدارات الجامعية في عالمنا العربي تتشكلّ في أعماق الأستاذ الجامعي رغبة عارمة بتقويض هذه الإدارات، وكراهية دفينة تجاهها، ولأنه لا يستطيع أن يقابل هذا الاستبداد بحوار علمي أخلاقي ، تكون فيه علاقة الند للند هي السائدة، فإنه يكبت رغبته العارمة بتقويض هذا الاستبداد، وينزوي على نفسه، ويتقاعس في عمله، و تتعطل طاقاته الإبداعية، وملكاته وقدراته الكثيرة على العطاء العلمي والمعرف والبحثي المنظّم، التي اكتسبها بفضل مسيرته الطويلة في البحث العلمي، و بالتالي يجد نفسه عاجزا عن العطاء بأعلى درجاته، وكما ينبغي.
و مع رغبة الإدارات الجامعية العربية بتطويع كل أساتذتها، فإنّها تخلق نفوسا مهزومة، وتعزّز في آن نظاما استبداديا يقوم على تكريس الوشاية والنميمة و الأحقاد بين أعضاء هيئة التدريس من جهة، و بين الطلاب وبين هؤلاء الأعضاء من جهة أخرى،إذ تعمل هذه الإدارات على توظيف جواسيس لها من الطلاب ومن أعضاء هيئة التدريس ـ خسيسي النفوس وصغارها ـ ، وداخل هكذا أجواء مسمّمة بالوشاية والأحقاد تصبح الجامعة أو الكية أشبه بثكنة عسكرية، وتتحول إلى كابوس مرعب مدمّر لنفوس الطلاب والأساتذة معا, ومن داخل هذه الأجواء تزداد نزعة الاستبداد والتسلط عند مسؤولي هذه الجامعة أو تلك، وتتراءى أمامهم مجموعة من الأوهام والعقد المرضيّة المزمنة ، التي تدفعهم إلى الشكّ بكل من حولهم، وعدم الثقة بأي عضو من أعضاء هيئة التدريس مهما كان نبيلا ومخلصا ووفيا، وبجميع الموظفين مهما كانوا أكفاء.
إني أعرف شخصيا عمداء كليات ورؤساء أقسام في هذه الكليات في عالمنا العربي، يكرّسون هذه الوضعيّة الاستلابية المشوّهة، فرئيس الجامعة يعيّن عيونا له في جامعته، وعميد الكلية، ورئيس القسم كذلك، وهذه العيون قلّما ترى رؤية نظيفة، بل ترى الأمور كما يخيّل لها، ومن داخل رؤية قاصرة، تنقل بدورها تقارير قاصرة و كاذبة وملفّقة وكيدية في معظم الأحوال، و هكذا تصبح الجامعة حقلا من التجسس والوشايات والمكايد و المؤامرات، بدلا من أن تكون حقلا للإبداع والعطاء ، والبحث العلمي الموضوعي النبيل.
و داخل هذا الوسط المشحون بالدسائس والملوّث بجميع أنواع اللوثات ، يبدو من الطبيعي أن يلجأ بعض أساتذة الجامعة ـ ضعيفي النفوس ـ إلى قبض الرشاوى من الطلاب، لأن إدارة هذه الجامعة أو تلك حطمّت فيهم كل نبرة اعتزاز وكرامة وكبرياء نظيفة، فانهاروا مثل نظام هذه الجامعة، وانحرفوا عن طريق المعرفة و الفضيلة والبحث العلمي المبدع، إلى طريق الرشاوى والفساد والصغائر في أحيان كثيرة، إضافة إلى انحرافات الأساتذة مع طلابهم، و بخاصة مع طالباتهم، إذ تدنّى مستوى الحس الأخلاقي والجمالي عندهم، و ضعف الوازع الديني والأخلاقي لديهم، ليتورطوا في الرشاوى، وفي علاقات جنسيّة أو شبه جنسيّة محرمة مع هاته الطالبات، والأدلة كثيرة جدا وواضحة في كثير من الجامعات العربية. يضاف إلى ذلك أنّ بعض أساتذة الجامعة متخلّفون علميا ومعرفيا، و لا يحاولون تطوير قدراتهم العلميّة، فبعد أن يحصلوا على شهادة الدكتوراه لا يقرأون كتابا واحدا ـ وبطبيعة الحال هناك استثناءات ـ ، و لايكتبون بحثا واحدا، بل يلقنون طلابهم مما بقي في ذاكرتهم من معارف سابقة.
يتبع في الجزء الثاني و الثالث
جامعات ، استبداد، فساد في التعليم
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة