مدونة حسين سالم مرجين


دروس من الأردن: كيف بنت كوريا الجنوبية نظامها للبحث العلمي

حسين سالم مرجين | Hussein Salem Mrgin


28/06/2024 القراءات: 709  


في اجتماع عُقد يوم الأربعاء الموافق 5 يونيو 2024 في المملكة الأردنية بمقر الجمعية العلمية الملكية، قدم الأستاذ عدنان بدران، نائب رئيس المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، مداخلة علمية مهمة. كان الاجتماع ضمن أنشطة اتحاد مجالس البحث العلمي العربية، بحضور الأمين العام للاتحاد، فضلا عن عدد من أمناء الروابط العلمية العربية.
في كلمته، أكد الأستاذ بدران أنه في عام 1970، قام الأمير حسن بن طلال في الأردن بدعوة مجموعة من الأساتذة العرب الذين يُدرسون في الجامعات الأمريكية والبريطانية لحضور اجتماع خاص. الغرض من هذا الاجتماع كان مناقشة فكرة تأسيس الجمعية العلمية الملكية في الأردن. وكان السيد عدنان بدران ضمن تلك المجموعة الخاصة، حيث كان في ذلك الوقت عميد كلية العلوم بالجامعة الأردنية. خلال ذلك الاجتماع، تم مناقشة الإطار القانوني والتنظيمي للجمعية العلمية الملكية. وقرر المجتمعون أن تكون الجمعية مستقلة ماليًا وإداريًا وعلميًا، وأن تتعاون مع الحكومة دون أن تكون تابعة لها. وبذلك تم تأسيس الجمعية العلمية الملكية في الأردن.
ومما يثير الاهتمام أن الخبرة الأردنية في تأسيس هذه الجمعية قد لفتت انتباه كوريا الجنوبية، فقد أراد الكوريون معرفة كيف نجح الأردن في إنشاء مؤسسة علمية وطنية مستقلة وفقًا للقانون. وقد أفاد الكوريون كثيرًا من هذه التجربة الأردنية، حيث قاموا بتأسيس KAIST في عام 1971 كأول مؤسسة علمية بحثية في كوريا الجنوبية. بعد تأسيس KAIST، بدأت كوريا الجنوبية في بناء نظام متكامل للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي. فقد استفادت KAIST من التجربة الأردنية في إنشاء مؤسسة علمية مستقلة، وطورت هذا النموذج لتصبح محركًا رئيسيًا للابتكار والتقدم التكنولوجي في البلاد.
وقد نجحت KAIST في التشبيك مع الجامعات والمراكز البحثية الكورية، مما مكنها من تعزيز التعاون البحثي والتطويري على المستوى الوطني. كما ساهمت في دعم ومساندة عدد من الشركات رائدة مثل سامسونج، مما أتاح لها الاستفادة من مواردها المالية والتقنية في تمويل ودعم المشاريع البحثية.
وبفضل هذا النهج المتكامل، نجحت كوريا الجنوبية في بناء قطاع بحث وتطوير قوي ساهم بشكل كبير في نمو اقتصادها وتطور صناعتها التكنولوجية. ويمكن القول إن أبرز المفارقات في هذه القصة تتمثل في:
1. التفاوت في التشبيك والتعاون بين الجامعات والقطاع الخاص:
- حيث نرى أن كوريا الجنوبية قد نجحت في بناء علاقات تعاونية وحدائق تكنولوجية بين الجامعات والشركات.
- في المقابل، يبدو أن الأردن لم ينجح في تطوير مثل هذه الشراكات بشكل ملموس حتى الآن.
2. عدم الاستفادة الكاملة من البحث العلمي:
- على الرغم من وجود علماء وأبحاث علمية في الأردن، إلا أنه لا يتم الاستفادة منها بالشكل الأمثل في تحسين جودة الحياة.
- في حين أن الهدف الأساس للبحث العلمي هو تطبيق نتائجه في الواقع العملي.
3. التركيز على استقطاب العلماء دون تطبيق أبحاثهم:
- يُلاحظ أن الاهتمام ينصب أكثر على استقطاب العلماء وجذبهم للعمل في الأردن.
- ولكن لا يتم التركيز بالقدر الكافي على كيفية الاستفادة من نتائج أبحاثهم وتطبيقها على أرض الواقع.
إن قصة تأسيس الجمعية العلمية الملكية في الأردن وانعكاساتها على تطور البحث العلمي في كوريا الجنوبية تدفعنا إلى البحث عن أسباب نجاح النموذج الكوري وإخفاق النموذج الأردني في تحقيق المطلوب منه في إنشاء الجمعية العلمية الملكية. أعتقد بأنه هناك عدة عوامل مهمة وراء نجاح تجربة التنمية في كوريا الجنوبية مقارنة بالأردن منها :
1. شهدت كوريا الجنوبية استقرارًا سياسيًا نسبيًا مع وجود قيادة قوية خلال فترة التنمية الاقتصادية. بينما عانى الأردن من بعض عدم الاستقرار السياسي المتقطع.
2. نفذت كوريا خططًا إنمائية طويلة الأجل وشاملة، بينما كانت الخطط في الأردن أكثر محدودية وقصر أجل.
3. ركزت كوريا على بناء قطاع صناعي قوي موجه للتصدير، بينما ظل الأردن أكثر اعتمادًا على الزراعة والخدمات.
4. خصصت كوريا استثمارات ضخمة في التعليم وتطوير رأس المال البشري، أما الأردن فلم يستطع تطوير قاعدته التعليمية بالقدر الكافي.

5. قدمت الحكومة الكورية دعمًا سخيًا للقطاع الخاص، على عكس الأردن الذي لم يتمكن من توفير الحماية والدعم الكافي.
في مجمل الأمر، فإن قصة نجاح التنمية الاقتصادية في كوريا الجنوبية مقابل معاناة الأردن تسلط الضوء على أهمية دور الإرادة السياسية الحقيقية والجادة كونها هي العامل الحاسم في تحقيق التنمية المستدامة للبلدان العربية.
إن النموذج الناجح لكوريا الجنوبية يظهر بجلاء كيف أن القيادة السياسية المخلصة والرؤية الاستراتيجية الطويلة الأمد كانت المحرك الأساسي لعملية التنمية والتحديث الاقتصادي والاجتماعي. فالحكومة الكورية قدمت الدعم والحماية اللازمين للقطاع الخاص، وركزت على بناء القدرات البشرية والبحثية، ما مكّنها من تحقيق نهضة اقتصادية متسارعة. بالمقابل، غاب هذا الزخم السياسي والتخطيط الاستراتيجي عن تجربة التنمية في الأردن، ما حال دون تعزيز القدرات البحثية والابتكارية للبلاد. وهذا يشكل درسًا قيمًا للقيادات السياسية العربية بضرورة إنشاء مؤسسات علمية مستقلة، وربطها بالقطاع الخاص، من أجل بناء نظام بحثي قوي يسهم في دفع التنمية الاقتصادية والتقدم التكنولوجي. إن توافر الإرادة السياسية الحقيقية والالتزام الحكومي الجاد بهذا التوجه هو المفتاح لتحقيق نموذج تنموي ناجح وشامل في البلدان العربية على غرار ما حققته كوريا الجنوبية. وهو ما يجب أن يكون في صلب برامج وسياسات صناع القرار في منطقتنا العربية.


البحث العلمي - الجمعية العلمية الملكية -


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع