مدونة محمد كريم الساعدي


العرب ومسرح الشارع / الجزء الأول

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


17/03/2024 القراءات: 144  


إنَّ من الملاحظ أن بعض الملامح المسرحية في التاريخ العربي الإسلامي لم تولد في أماكن مغلقة ، بل هي وجدت منذ البداية في الأماكن المفتوحة ، وبما أن المرحلة الإسلامية التي كانت تحكم البلاد العربية وغير العربية لم تعط للمجال المسرحي استقراره وتطوره الملحوظ، فكانت أغلب هذه الممارسات تقام في الساحات العامة ،أو الأسواق ، أو أمام البيوت وغيرها من الأماكن المفتوحة التي تعرض فيها هذه الممارسات المسرحية .
وبغض النظر عن المجادلة في قضية هل أن العرب كان لديهم مسرح ؟، أو ممارسات وملامح مسرحية؟ ، فأننا سنركز في هذا الفصل الخاص بالمجال الإسلامي والعربي عن كل ما يدلل على التجربة المسرحية القريبة من مسرح الشارع ، والتي تعدّ من المرجعيات المهمة لنشوء هذا الفن في الساحة العربية ، والمقصود هنا هو الظاهرة الفنية التي كانت تقام في الساحات والأسواق والطرق العامة ، دون أن تتخذ لها أماكن وقاعات محددة كما هو معمول في المسرح التقليدي الغربي .
أنَّ من أهم المتقابلات الفنية ذات الملمح الديني بين المسيحية والإسلام هو الطقوس الدينية ذات النشاط الفني المسرحي الذي أقيم في الساحات العامة والطرقات على الرغم من الإختلاف بين الوعي بالظاهرة الفنية المسرحية في المسيحية عن غيرها في الإسلام . ومن ثم فإن الطقس المسيحي عمل على الأستفادة من المسرح بوعي كونه قد حارب هذه الظاهرة في البدء ومن ثم عمل على توظيفها في بعض المقاطع المسرحية في داخل الكنيسة ،ثم وسّع هذا النشاط ليقدم حلقات طقسية درامية لموضوعات من الكتاب المقدس خارج الكنسية ، وقد أصبحت هذه الظاهرة مكملة لتاريخ العروض المسرحية التي تنتمي لمفهوم مسرح الشارع . أما في الإسلام فقد نشأت هذه الظاهرة الطقسية ذات الملامح درامية من خلال بعد شعبي بحت دون التزام المؤسسات الدينية لها في بادئ الأمر ، وبعدها أصبحت جزءاً مهماً من مراسيم تقدم في أيامنا هذه في عدد من البلدان العربية والإسلامية ، ومن ثم توجد عدة أراء في ماهية الظاهرة الخاصة بالطقس الإسلامي المعروف بالتعازي المرتبطة بواقعة كربلاء ونشأتها في المنطقة العربية الإسلامية . في هذا السياق يرى "أدونيس :( ليس الحسين أول من قتل في تاريخنا بهذا الشكل المأساوي . إنَّ قتل الإنسان – كما يقتل أي حيوان – ظاهرة مألوفة ، عادية في تاريخنا كله ، قديماً وحديثاً ، لكن لقتل الحسين خصوصية تتمثل في صيرورته ذكرى ، أي في تحوله الى احتفال ، وهو احتفال – محاكاة تمثيلية قولاً وعملاً ، وألفاظاً وحركات ، للحدث الفاجع " (1). إذن ، فإن صيرورة هذه الذكرى هي التي جعلت من هذه الواقعة وهذه الشخصية الإسلامية الكبيرة تتحول ذكراها إلى احتفال عند محبيها ، ،أي لولا هذا الاحتفال لما أستمرت هذه الذكرى ، على الرغم من اختلاف هذا الرأي مع الرأي الديني الذي يعدّه من الشخصيات الدينية المهمة لما له من قرابة من الرسول محمد (ص) ، وكونه من الرموز الإنسانية والإسلامية المهمة التي ميزت الفترة الأولى من الإسلام . ومن ثم فإن هذا الاحتفال الذي أنطلق في بداياته الأولى في المناطق التي تكثر فيها الشيعة في المناطق الإسلامية وخاصة في الشرق الإسلامي . كما يرى المنظر لهذه التعازي الباحث (أندريه فيرث) في نشأتها بإن التعزية نشأت " كشكل مسرحي احتفالي ، من امتزاج نوعين من الطقوس الدينية والشعبية ، التي تصاحب إحياء ذكرى استشهاد الحسين في العاشر من المحرم عام (61ه ، 680م) :
1. أما النوع الأول ، فهو المواكب ومسيرات الندب والرثاء ، التي كانت تجوب شوارع المدن والعواصم الشيعية ، والتي بدأت منذ القرن السابع الميلادي .
2. وأما النوع الثاني من الاحتفالات ، فقد بدأ في القرن السادس عشر ويتمثل في رواية سيرة الحسين وأهله في محافل شعبية ، ويجلس فيها الراوي على منصة عالية ، ليقرأ على السامعين أجزاء من كتاب روضة الشهداء .


مسرح ، الشارع


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع