سفينة نوح (عليه السّلام) الجزء الأول
د. أسماء صالح العامر | Asma saleh Al amer
16/12/2023 القراءات: 484
سفينة نوح (عليه السّلام)
ذكرت قصة سيدنا نوح عليه السلام في التوراة والإنجيل والقرآن. ولقد فصل القرآن الكريم هذه القصة في سورة خاصة اسمها سورة نوح «1»، وكذلك في آيات مباركات عديدات أخرى - ذكر كلمة نوح في الكتاب العزيز في 33 آية - بدءا من بعثته عليه السلام إلى قومه وتكذيبهم إياه، ومن ثم استمراره وصبره الطويل عليهم طيلة عمره الذي وصل إلى 950 عاما كما صرح القرآن الكريم:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وهُمْ ظالِمُونَ (14)، (العنكبوت: 14). وقد أثبت علميا أن الإنسان الأول كان أطول قامة وأطول عمرا من إنساننا الحالي لأسباب يطول شرحها.
وقد حاول عليه السلام طيلة هذه الفترة الطويلة أن يقنع قومه - وكانوا من أهل العراق القديم - أن اللّه تعالى هو خالقهم وهو الأولى بالعبادة، ولكنهم صدوه وحاربوه واستهزءوا به وبأصحابه، فحذرهم من عاقبة أمرهم هذا:
قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَاتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) (هود: 32). واستمر صابرا عليهم حتى أوحي إليه أنه لا أمل من قومه:
وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) (هود: 36). فدعا عليه السلام ربه أن ينصره على هؤلاء القوم الكافرين:
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وقالُوا مَجْنُونٌ وازْدُجِرَ (9) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) (القمر) .. قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي واتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ
وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً (21) (نوح: 21) .. وقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26) (نوح: 26).
فأمره اللّه تعالى بصناعة السفينة، وكلما مر عليه نفر من قومه استهزءوا به، ولكنه توعدهم بأنهم سيندمون على هذا الأمر أي ندم:
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا ووَحْيِنا ولا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) ويَصْنَعُ الْفُلْكَ وكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (38) (هود). وأوحى له اللّه تعالى أن الماء سيغمر المكان وأن عليه أن يحمل أهله - إلا امرأته وابنه - وأصحابه ومن كل المخلوقات زوجين اثنين، فإذا استقر عليها حمد اللّه وشكره على فضله بنجاتهم من غضبه على القوم الكافرين:
فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا ووَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ولا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ ومَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) (المؤمنون).
وحصل الطوفان الهائل الذي غطى منطقة ما بين النهرين بأسرها وغرق القوم وهم يستنجدون بعد أن أيقنوا بصدق ما جاءهم به نوح عليه السلام ولكن بعد فوات الأوان. وقد أثبتت البحوث الآثارية والجيولوجية في المنطقة والتي قامت بها عدة فرق علمية استكشافية من مختلف دول العالم من أن الغرين والطمى في المنطقة يدلل من غير أي شك على حصول طوفان عظيم في الحقبة السومرية من تأريخ العراق القديم.
وبعد انتهاء الأمر جاء أمر اللّه تعالى بتوقف تدفق الماء من السماء ومن الأرض، فاستوت السفينة على جبل الجودي وهبط منها سيدنا نوح عليه السلام ومن معه لتبدأ البشرية رحلة جديدة وبنفس القانون الإلهي الذي لا يتغير، هذا ما نص عليه القرآن الكريم:
وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ويا سَماءُ أَقْلِعِي وغِيضَ الْماءُ وقُضِيَ الْأَمْرُ واسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) (هود: 44) ... قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (48) (هود: 48).
هذه التفاصيل ذكرت بعضها في الكتب السماوية الأخرى ولكن ليس بهذا الأسلوب الرائع وهذه الدقة، فمثلا ذكر العهد القديم أن السفينة استقرت على جبل آرارات الواقع شرق الأناضول والذي يقطنه أغلبية من الأرمن من سكان تركيا الحالية، بينما صرح القرآن الكريم أن الجبل هو الجودي والذي يقع في جنوب شرق الأناضول وكما سنوضح بالخرائط والصور. هنا يبرز سؤالين مهمين:
1. أيهما أدق؟.
2. هل هناك اختلاف والكتابين من عند اللّه تعالى؟.
قامت عدة فرق بحثية علمية من مختلف الجنسيات العالمية تدين الديانة النصرانية بتتبع هذه المسألة حتى حصل الاكتشاف الذي حيرهم. إذ اكتشفوا أن سفينة نوح عليه السلام وجدت لها آثار فوق جبل في تركيا ولكنه ليس جبل آرارات بل إنه جبل آخر اسمه جبل (الجودي)، فتحيروا وزادت حيرتهم وغضبهم معا عند ما علموا أن القرآن قد صرّح بهذا قبل مئات السنين، بل وأكد القرآن الكريم على أن السفينة بقيت وستبقى كآية ودليل على صدق القرآن الكريم وعلى قدرة اللّه تعالى في تعذيب الأقوام المكذبة والجاحدة، فهل من معتبر؟.
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وقالُوا مَجْنُونٌ وازْدُجِرَ (9) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ ودُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14) ولَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) (القمر: 9 - 15).
سفينة- نوح
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع