مدونة عبدالحكيم الأنيس


في يوم السياحة العالمي

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


29/09/2023 القراءات: 832  


يوافق يوم (27) من سبتمبر من كل عام يوم السياحة العالمي.
وقد أولع أقوام بالأسفار، ومنهم مَنْ دوَّن أخبار أسفاره وجاء بأعذب الأسفار.
وممن مدحَ السفر المؤرخ المرادي (ت: 1206) في كتابه "توشيح الأسفار في مديح الأسفار" وقد نُشر بتحقيق: د. عمر حمدان الكبيسي، ضمن مجلة كلية العلوم الإسلامية والعربية، العدد (23)، ربيع الآخر، سنة (1423)، وقد نقل المرادي فيه ص (122) عن الثعلبي [الأديب] قوله: "منْ فضائل السَّفر أنَّ صاحبَه يَرى مِنْ عجائب الأقطار، وبدائع الأمصار، ‌ومحاسن ‌الآثار، ما يزيده علمًا بقدرة الله تعالى، ويدعوه إلى شكر نعمته». وقولُ الثعلبي هذا في كتابه "التمثيل والمحاضرة" (ص399)، ونقله الشريشي في "شرح المقامات" (1/341). وقد نَسبَ الثعلبي القولَ المتقدمَ نفسه في كتابه "اللطائف والظرائف" (ص225) إلى "أحد الحكماء".
وللإمام بدر الدين الزركشي: "الغُرر السوافر عمّا يحتاج إليه المسافر" نشرَته دارُ عمّار في الأردن سنة (1409- 1989)، وطالعتُه آنذاك ورأيتُ فيه أخطاء غير قليلة فعدتُّ إلى المخطوط -وهو في مكتبة الجامعة الأردنية- وقابلتُه بتمامه مع أخي الشيخ عبدالسميع. ثم رأيتُ له طبعة أخرى صدرتْ عن دار الفضيلة في القاهرة سنة (2003)... ووددتُّ لو فرغتُ له وأخرجتُه، والنصُّ عندي مقابل مصحح جاهز.
وللعلامة إبراهيم البقاعي: "الإسفار عن أشرف الأسفار" ألفه سنة (844)، لما خرج إلى غزوة قُبرُس وردوس من البحر، ولم يتيسر بهم الفتح سوى فتح قلعة الميش. وتحرف لفظ "أشرف" في "كشف الظنون" -حتى في طبعة مؤسسة الفرقان (1 / 409)- إلى "أشَرِدَة"! ولا نعرف نسخة من الكتاب لكن وقفتُ على نقل مهم منه، نقله ابن حجر العسقلاني وهو شيخ البقاعي.
وللحافظ أبي سعد السمعاني: "الإسفار عن الأسفار" ولم تظهر له نسخة، ويسعد مَنْ يقرأ مؤلفات أبي سعد، وضياع أكثرها خسارة كبيرة.
وللإمام المفسر عمر النسفي (ت: 537): "تطويل الأسفار لتحصيل الأخبار". ولم نره.
ولعلي الطاوسي الإمامي (ت: 664): "الأمان من أخطار الأسفار والأزمان" في الأدعية والخواص.
وكتب إليَّ الأخُ الكريمُ العالم البحاثة المنقر المتتبع (السائح) الدكتور بلال البحر: "لما سمعتُ حكاية الشيخ أبو غدة في اصطحاب القلم وتدوين ما يعنُّ له ادخرتُ قلمًا ودفتر جيب فما مرتْ بي فائدةٌ في مجلسٍ إلا قيَّدتها، واجتمعَ عندي ثلاثةُ دفاتر فيها قرابة ألفِ فائدة سمَّيتُها: متعة السائح في اقتناص السوانح". وقد تقلَّب هو في السفر أيضًا من العراق إلى مصر فتركيا حيث هو الآن. وفقه الله تعالى ونفع به.
‌وفي "السوانح" كتبٌ، منها للشهاب أحمد الخفاجي المصري صاحب "خبايا الزوايا".
ومنها: "اقتناص ‌السوانح" لابن دقيق العيد، نقل عنه الزركشي في "البحر المحيط".
وللأخ البحر عنايةٌ بالبحر، وكان يريد تقديم أطروحة في مصادره، -ووافقَ هذا رغبة سابقة لدي-، فإمّا إنه وافقَ ابنَ دقيق اتفاقًا، وإمّا قرأ ذكر كتابه هناك فأحبَّ متابعته، أو غاب عنه حين التسمية ذكرُه.
‌‌ولابن أبي الأصبع: عبدالعظيم بن عبدالواحد العدواني، البغدادي، ثم المصري (المتوفى سنة: 654): "الخواطر ‌السوانح، في كشف أسرار الفواتح" أي فواتح السور.
‌‌وهناك: "السوانح" للشيخ محمد جمال الدين القاسمي.
وللشيخ محمد مراد بن عبد الله القازاني المكي الحنفي (المتوفى سنة 1352 وقد جاوز التسعين): "نفائس السانحات"، وهو فاضل، من فقهاء الحنفية، له اشتغال بالتأريخ كما قال الزركلي.
وللعناوين في التراث حديث رائع ماتع. وكنتُ قدمتُ محاضرة عنها في معرض الكتاب الدولي في الشارقة باسم: تاريخ العنوان في التراث العربي. وذلك عام (2019م).
وللعلماء مع الكتب في السفر حديثٌ يطولُ، وهو حديث ممتع شائق، وعسى أن تتاح له فرصة كذلك، ويمكن تأليف كتاب فيه، ويكون كتابًا رائقًا.
والسياحة إحدى خصال السلوك والتصوف والزهد، فقد جاء في "الإجازة الرفاعية": "واعلم يا ولدي أن التصوف مبني على ثماني خصال:
الأول: السخاء.
الثاني: الرضا.
الثالث: الصبر.
الرابع: الإشارة.
الخامس: الغُربة.
السادس: لبس الصوف.
السابع: السياحة.
الثامن: الفقر.
فالسخاء لنبي الله ابراهيم.
والرضا لنبي الله إسحاق.
والصبر لنبي الله أيوب.
والإشارة لنبي الله زكريا.
والغربة لنبي الله يوسف.
ولبس الصوف لنبي الله يحيى.
والسياحة لنبي الله عيسى عليهم السلام.
والفقر -أي الافتقار إليه تعالى- لرسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم ومجّد وعظّم وعلى آله وصحبه أجمعين"
وقد نُسبت أسفار ورحلات إلى علماء عن طريق الوهم، ومن هؤلاء ابن خلدون، وابن حجر، والسيوطي حتى إنهم أوصلوه إلى الهند! وبيانُ هذا يستدعي مقالًا خاصًّا.
وكنتُ لقيتُ في بغداد شيخًا أفغانيًّا اسمُه راحت كل، له كتاب صغير بعنوان: "رحلاتي إلى إيران والعراق". أهداه إلي يوم (26 / 12 / 1407)، وكتب عليه إهداء.
ومن أجمل الأسفار سفر ابن المبرد الدمشقي إلى الحج، وكان يعقد في كل مرحلة مجلسًا علميًّا يملي فيه الحديث، وخبر هذا في "البرق السامي في تعداد منازل الحجّ الشامي" لابن طولون، وهو خبر عجيب.
ومن أصحاب الرحلات النافعة: علي بن ‌سالم الورداني: وهو أديب تونسي، ولد في" الوردانين" من مدن الساحل في دائرة سوسة، وإليها نسبته. وتعلم في الصادقية بتونس، وأحسن التركية والفرنسية.
واتصل بخير الدين باشا، فجعله من كتاب ديوانه. وسافر معه إلى إسطنبول سنة (1295)، وأرسله السلطان عبدالحميد الثاني ‌ترجمانًا، في بعثةٍ ترأسها محمود التركزي الشنقيطي، للبحث عن المخطوطات العربية، في إسبانيا وفرانسا وانكلترة!
وهذه الرحلة وهذا الاهتمام بالمخطوطات العربية من مآثر السلطان عبدالحميد رحمه الله.
ومن الأسفار النافعة في عصرنا أسفار الأخ الكريم الشيخ الجليل الدكتور محمد أكرم الندوي إلى الحرمين ومصر والمغرب والقدس وغيرها، وله في ذلك أسفار ماتعة.
وكان شيخنا الشيخ عبدالكريم الدبان لا يرغب بالسفر، ولم يخرج من العراق، بل لم يزر مدنًا تُزار فيه. رحمه الله.
***


السفر


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع