مدونة سعد رفعت سرحت


استعمال ضمير الجمع للمفرد(تفسير اجتماعي)

سعد رفعت سرحت | Saad Rafaat sarhat


27/06/2023 القراءات: 504  




كان علماء الاجتماع قد التفتوا إلى هذا الاستعمال و تبنّوهُ دليلًا على النزوع الجماعي للأفراد في المجتمعات التي كانت موضوع دراستهم،ففي المجتمعات ذات التضامن الآلي، أشاروا إلى أنّ كلّ (أنا)يتستّر على(نحن) وكل(أنت) يتستّر على(أنتم)،ومن هنا يتحدث فرد من أفراد المجتمع عن ذاته ب(نحن) أي بصيغة الجمع إشعارًا و دليلًا على التزامه الجماعي وكونه ناطقًا من منظور جماعته،وحين يخاطب أحدًأ خارج جماعته يخاطبه بصيغة الجمع(أنتم)بدلا من(أنت)وذلك من منطلق أنّ الفرد يمثّل جماعته ويعكس حضورها.وعلى هذا الأساس انتهى الاجتماعيون إلى أنّ تصورات الفرد عن مفهوم "الشخصية" في ظلّ هذه المجتمعات تتّسم بالغموض و الضبابية ما دام ضمير الجمع يفرض سلطه على ذاتية الفرد،وإلّا فبينما يتحدث أحدهم بصيغة المفرد ولكن عند النوازل والتباري والتفاخر والتهاجي تتضخّم الأنا وتصبح (نحن)، وكذا حين يخاطب فردًا خارج مجموعته ب(أنت)شيئًا فشيئًا يقوم بتضخيمه إلى أنْ يُدمجه في(أنتم).


خذ مثلا اللهجات في بلدان المغرب العربي،إذ يتحدث الفرد عن نفسه بصيغة ال(نحن)كثيرًا:(نروحُ_نرجعُ....إلخ)إنّ هذا الاستعمال قد يعكس مرحلة من حياة المجتمع كان الالتزام الجماعي و الإيثار يشغلان روح الجماعة أكثر من شيء،ففي تلك المرحلة كانت شخصية الفرد مقيدة ومحاولة الفرد إبرازها تعدّ مثلبة،بل قد يعدّ إثمًا،فنحن إلى يومنا هذا نقول:(أعوذ بالله من كلمة أنا)!


وإزاء ذلك يتغلب ضمير المتكلم(أنا)في المجتمعات ذات التضامن العضوي،أو في المجتمعات الحديثة التي يعاني نسيجها التضامني من هشاشة و وهن،حيث يستفحل فيها النزوع الذاتي و محاولة الأفراد فرض ذواتهم وتأكيدها بالخروج على ثوابت الجماعة.



أمّا في المجال اللساني فليس بجديد إشارة اللسانيين والمنشغلين بالنظرية السردية إلى أنَّ الضميرين(نحنُ و نا المتكلمين)فيهما غموض و إشكال في المرجع،فالمسألة لا تتعلق ب(التعظيم)و(التواضع) فحسب،وإنّما هي وجه من أوجه الحوارية المترسخة في اللغة،يقول(بنفست)عن استعمال الفرد ضمير الجمع :((إنه ليس"أنا" مجموعًا، بل هو الضمير"أنا"و قد تمطّط..)).


إن انتهاك مطابقة الضمير مرجعه، أبعد من أن يكون ظاهرة لغوية بحتة، فللمجتمع و التكوين النفسي فيه دور، إذ يرد في مناسبات كثيرة،فلكلّ حالة انتهاك مناسبة وغاية،ويمكن أنْ نشخّص ذلك(من لحن القول) أو من مقامات الكلام، فقد يراد بتعبير الفرد عن ذاته بصيغة الجمع التواضع،وقد يراد به التعظيم، وقد يراد به الإيثار و إحساس الفرد بالاندماج في الجماعة.


وما قيل عن (نحن و أنا) يُقال أيضًا عن (أنت أنتم)وللأسباب ذاتها،خذ مثلًا قوله تعالى:(وما تكون في شأنٍ وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل الا كنا عليكم شهودًا....)


انظر كيف يتضخّم ضمير المخاطب بالتدريج:

_وما تكونُ(أنتَ يا محمد).

_وما تتلوا(أنت يا محمد )و الألف وقف،وليس للتفريق،لأنه مضارع مرفوع بالضمة المقدّرة على الواو الثقل.

_ولا تعملون(أنتم يا أمة محمد).

إذ المخاطب في" تتلو" سيدنا محمد،وكأنّ الألف زيدت و شبّهت الواو الأصلية بواو الجماعة،لإعمام الخطاب على أمة المخاطَب صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم.


ضمير الجمع للمفرد تفسير اجتماعي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع