مدونة حسين سالم مرجين


وهم العبقرية في المجتمع العربي

حسين سالم مرجين | Hussein Salem Mrgin


10/03/2023 القراءات: 497  


تقابلت مع أحد المسؤولين الليبين وذكر لي بأنه عندما كان مسؤولًا في إحدى قطاعات الدولة الليبية، بأنه عندما يطرح أيّ فكرة تنهال عليه – مباشرة- عبارات المدح والإطراء من جل مسؤولي وموظفي القطاع، وذلك بمجرد الانتهاء من طرحه لتلك الفكرة، دون أن يجرؤ أيّ أحد في ذلك القطاع على مناقشتها أو الاعتراض عليها، ومع مرور الوقت أصبحت أفكاره تُوسم بالعبقرية؛ أيّ لم يتوصل إليها أحد سواه، واستطرد معي بالقول "بأن تلك الأفكار أصبحت تجد طريقها بشكل سريع إلى إدارات وأقسام ومكاتب القطاع، ليصبح الجميع يتحدث عن عبقريته في إنتاج الأفكار والحلول، وواصل حديثه معي بأنه "وصل به الأمر إلى التفكير بأهمية وجود شخص ما يقوم بتدوين أفكاره؛ وذلك خوفا من ضياعها أو عدم الاستفادة منها في معالجة مشاكل القطاع ولكن كما يقول بأنه بمجرد خروجه من القطاع الذي كان مسؤولا عنه انتهى كل شئ.
فقلت له : بأنك كنت تعيش في بيئة حاضنة على تحفيز وتوظيف وهم العبقرية بغية تحقيق مآربها الخاصة .
في الحقيقة هذه القصة الواقعية جعلتني أبحث عن كشف هذه البيئة في المجتمع الليبي، فليس مبالغة في القول إن المجتمع الليبي –حسب اعتقادي – جعل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي – مثلًا - يعيش أيضا وهم العبقرية لمدة أربعين سنة ونيف، حيث كان يعتقد بأنه سابق عصره في التفكير وإيجاد الحلول، فأصبح مع مرور الوقت المفكر العبقري الأوحد، لا يجرؤ أحد على مناقشته أو الاعتراض على أفكاره.
وهذا لا يعني بأن الرئيس الليبي السابق لم يكن يعلم أو يعرف عن وجود هذه البيئة الحاضنة لوهم العبقرية، أو أنه كان مستنكرًا لها، وغير راضيا عنها، أو غير محبا ومشجعا لها، إنما أجزم بأنه هو نفسه من قام بزرع هذه البيئة، فكان راضيا عنها، ومحبا ومشجعا لها، وكما يُقال البذور التي تزرعها تعطيك محصولا من نفس النوع، ومن منا لا يتذكر عندما كانت الجماهير الليبية تهتف للرئيس الليبي السابق بالقول "علم ياقائد علمنا كيف نحقق مستقبلنا"، إليس هذا الهُتاف يحمل في طياته وهم العبقرية؟
ولكن هل هذه سمة خاصة بالمجتمع الليبي دون غيره من المجتمعات العربية ؟
إن النظرة العميقة لطبيعة المجتمعات العربية ستكشف لنا سريعًا بأن البيئة الحاضنة " لوهم العبقرية " ليست حالة ليبية بامتياز، إنما تمتد إلى جل الدول العربية، حيث أجزم بأن جل المجتمعات العربية تعمل وتعيش في تلك البيئة؛ وهي بيئة "وهم العبقرية" وعلى مستويات المسؤولين كافة، فعقول أفراد المجتمع – حسب هذه البيئة تسود فيها قيم قداسة وحصانة أفكار المسؤولين ، في حين عقول المسؤولين تعمل لتنتج الأفكار والحلول دون غيرها فيراها باقي أفراها المجتمع – بالضرورة - بأنها أفكار خلاقة ومبدعة ( عبقرية).
إن من يحسن التأمل ويدقق النظر يستطيع أن يدرك بسهولة بأن جذور هذه البيئة موجودة في الأمثال العربية فنجد مثلا العديد من الأقوال العربية المأثورة التي تدعو بشكل صريح إلى تمجيد أفكار وآراء الحاكم "فالناس على دين ملوكهم"، وكذلك "حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس"، ولا أظن أن القارئ في حاجة إلى مزيد من أمثلة.
وهذا الأمر جعلني أبحث عن تشخيص وتفسير لهذه الحالة " وهي "وهم العبقرية" والتي تعني حسب اعتقادي أن يعيش بعض المسؤولين حالة من " وهم العبقرية في إنتاج الأفكار والحلول"، حيث يعتقد هولاء – المسؤولين- بأن كل أفكارهم ستحمل – بالضرورة- في طياتها عبقرية لم يصلها أحد سواهم، ومع مرور الوقت يمتلك هؤلاء المسؤولين ذات متضخمة وفوقية وعنجهية ، فيروا في أنفسهم بأنهم الأحق من سواهم في إنتاج الأفكار والحلول، وبأن أفكارهم وحلولهم دون غيرها سيتم استدعائها – بالضرورة - كونها وصفات عبقرية وسحرية لمعالجة مشاكل ومسائل المجتمع، وهذا يعني ببساطة بأن تلك البيئة هي بيئة رافضة لكل ما يعزز العقول ويوسع إدراكها، من خلال التأمل والتفكير الحر والجريء.
وهذا الأمر ربما يدفعنا إلى طرح تساؤل وهو : ما الذي يدفع بعض أفراد المجتمع إلى أن تقوم بدور البيئة الحاضنة لوهم العبقرية ؟
في اعتقادي بأن الدافع متأتي من رغبة هؤلاء الأفراد في القرب من المسؤولين لتحقيق مصالحهم الخاصة أو المحافظة عليها، بالتالي تجعلهم على استعداد باستمرار وجاهزين طول الوقت لما يُطلب منهم.
إن التشخيص السابق ربما يدفعنا أيضا إلى طرح تسا ؤل آخر وهو : لماذا هناك اخفاق مستمر في عدم مقدرة المسؤولين في بعض الدول العربية على حل مشاكلها؟
في الحقيقة لا ادعي بأنني امتلك إجابة لهذا التساؤل المعقد والمتشابك، لكني أعتقد بأن التشخيص والتفسير السابق للبيئة الحاضنة لوهم العبقرية في المجتمع العربي ربما يحمل في طياته إجابة هذا التساؤل.


المجتمع العربي - وهم العبقرية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع