مدونة ياسر جابر الجمال


الفضاء المكاني في مذكرات السيد حافظ (6)

ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal


24/01/2024 القراءات: 520  


لتحديد طبيعة الزمان و المكان ... هذا الانتقاء هو الذي يحقق الفنّ ، وهو الذي يكثف الرؤية و يبلورها في لوحة يشّع منها الإحساس و المعنى ، و هذا ما نطلق عليه كلمة الشظايا التي يصنعها الكاتب على الورق ، و هي شظايا لتجربة الإنسان المشحونة بالغامض و المجهول ، من خلال شخصيات الرواية."( )، وهي كالآتي: الأماكن المفتوحة: الأماكن بالنسبة للأشخاص كالبيوت بالنسبة لأصحابها، وهذا يعطينا موقفًا تجاه المكان، "فعادة ما يلجأ الإنسان عندما ينحصر موقفه بين خيارين إلى ذلك العالم المضيء الذي ينتج له قدرا هائلا من الصلاحيات، هذا كي يبتعد عن محيط يكبل قدراته ويذكره بين الفينة والاخرى بمآسي وآلام رُسِخت في ذهنه وتعلقت بمكانه، لهذا "( ) نجد "السيد حافظ" في سرده للمذكرات يذكر أماكن مفتوحة متعددة، كانت سببًا في تكوين رؤيته الفنية والأدبية والإبداعية حو ل كثير من القضاياـ ومن ذلك الأماكن الكويت، يقول "السيد حافظ" :" الكويت بالنسبة لي عشق وعمر وحياة وخبرة ومدرسة، كنت محظوظا أن أذهب إلى الكويت عام 1976م وفي ذلك الوقت كان شعار الكويت هو (الكويت بلاد العرب) في كل المطبوعات، كان التيارالقومي العروبي هو الغالب وكان التيار اليساري قوة شديدة ولم يكن ظاهرا تيارات أخرى، كانت الكويت في أجمل فترة تاريخية إنسانية رائعة وكانت الكويت تشع ديموقراطية لم يتذوقها الوطن العربي، كانت الكويت في ذلك الوقت مدينة أشبه بالمدن الخرافية فالصحف تنقد في الوقت الذي كانت كل الصحف العربية صامتة خارسة وكان النقد شديدا والديموقراطية قوية، كنا نستطعم في الكويت معنى كلمة ديموقراطية . في الحقيقة ذهبت إلى الكويت؛ فالكويت قبل سفري فتحت لي أبواب النشر في جريدة (القبس) التي نشرت لي 10 موضوعات، كان لدي أمل كبير جدًا أن يقوموا بدفع نقود لي فقالوا 30 دينار ثم قالوا 20 دينار .( ) ويقول أيضًا: " عندما ذهبت إلى الأردن بعدها بسبع سنوات وجدت "إلياس فركوح" ينتظرني في فندق يسمى (هلا هاوس) والمتواجد في جبل الودة بعمان( ) الأماكن المغلقة: يأتي المكان وفق أنواع وثنائيّات وتقاطبات عديدة فنجد منه المغلق والمفتوح، والمرجعيّ والمتخيّل، وأماكن الإقامة والعبور، والعدائيّ والحميميّ... حيث يعدّ المكان المغلق محور اهتمامنا هنا "مكان العيش والسّكن الذي يؤوي الإنسان ويبقى فيه فترات طويلة من الزّمن سواء بإرادته أو بإرادة الآخرين، لهذا فهو المكان المؤطّر بالحدود الهندسيّة والجغرافيّة"( ) يقول الكاتب متحدثًا عن مرحلة الإقامة مع أخيه في بداية رحلته :" أقمت حينها مع أخي "محمد حافظ رجب" في شقة كانت تعتبر مخزنا للكتب تخص الكاتب "صبحي الشاروني" الفنان التشكيلي الكبير اليساري، صاحب دار نشر (كتابات معاصرة)، كان أخي يأتي إليها من عمله بالمجلس الأعلى وأنا من كلية دار العلوم"( ) ويقول في موضع أخر:" في سن الخمسين كنت بدأت أتدهور، سافرت إلى القاهرة لأبدا من الصفر وسكنت أنا وأولادي في شقة حقيرة مفروشة وكانت معي أمي العظيمة تدعمني ومعي أم اولادي، بدأت اكتب للتليفزيون المصري وأكتب مرة أخرى وأعود من خمسين إلى سبعة وخمسين سنة إلى أن حدثت لي المشكلة الكبرى"( ) علاقة الفضاء المكاني بالشخصيات . ثمة علاقة تربط بين الفضاء المكاني والشخصيات، هذه العلاقة تؤكد على "الدور المهم الذي [ تؤديه] الشخصية علی أرضية المكان والتأثير والتأثر بينهما استدعی التطرق إلی دور الشخصية وحركيتها في المكان ودورها في الفضاء الروائي. هذا ما جعل الناقد "فيليب هامون" يصف البيئة وتأثيرها علی الشخصية لأن المكان يحفز الشخصية علی القيام بالأحداث، كما أن وصف بيئة ما يعني وصف مستقبل الشخصية، وهذه البيئة الاجتماعية هي التي يؤكد عليها "لوسيان غولدمان" كثيراً في كيفية تأثير هذه البنية الخارجية علی النسق النصي؛ وهذا يؤكد دور الشخصية في تغيير معالم المكان وبالعكس، فحينما توصف شخصية هذه [ المذكرات ] بأنها كثيرة التجوال وهي لا ترغب كثيرا ببلدها بوصف البلاد الشرقية التي تدمر [ ابنائها] يوما بعد يوم، و تحل [ الأغراب] محلهم التي فهو يصف مستقبل هذه الشخصية وإحساسها بالنسبة إلی هذا المكان الذي لم يعد كما في السابق"( ) يقول الكاتب :" إخترت الحديث العراق لأن العراق ساهم في تكويني الثقافي والأيدولوجي وساهم في تكوين اسمي ودفعي إلى الأمام فكان بلدي الأول أحيانا وبلدي الثاني أحيانا وبلدي الثالث أحيانا وأحيانا يكون حياتي كلها إذ تأتي منه نفحة لا أتوقعها .. مسرحية تقدم لي وأنا لا أعرف مخرجها ولا أعرف كيف حصل على النص أو مقالا يكتب عني وأنا لا أعرف من كاتبه أو كاتبته، أي شعب عظيم هذا ؟ شعب العراق الجميل، نعم.. العراق ساهم في تكويني ففي عام 1977م يظهر "ويليام يلدا" المخرج العراقي العظيم في معهد الفنون الجميلة ليقدم مسرحيتي ( الطبول الخرساء في الأودية الزرقاء ) وكانت سوف تقدم في مصر في عام 1975م عن طريق المخرج الرائع الجميل المتفرد "مراد منير"، لكن تم القبض عليه بداعي أنه يساري وكذا وكذا .. توقفت البروفات لكن الغريب في الأمر أن "مراد منير" يقول : لا أتذكر فإذا كان هو لا يتذكر ولكني أتذكر لأني كنت فرحا لأن "مراد" كان يخرج في قاعة الجموع للبطل ولجموع الممثلين وهي تتحدث وتتحرك. المهم أن العراق قدمها في معهد الفنون الجميلة عام 1977م كما ذكرت سابقا"( )


الأماكن المفتوحة ....الأماكن المغلقة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع