مدونة عبدالحكيم الأنيس


حوار في العلم والبحث والحضارة (2)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


30/08/2023 القراءات: 485  


وأخيرًا كتاب "تاريخ ضائع: التراث الخالد لعلماء الإسلام ومفكريه وفنانيه" للكاتب الأمريكي مايكل هاميلتون مورجان، وفي هذا يقول الرئيسُ الفرنسي السابق جاك شيراك عن الحضارة العربية بأنها: "هي التي أنقذتْ أوروبا عندما كانت جاهلةً، متعصبةً، منغلقةً على ذاتها".
لقد كان وعيُنا الحضاري، ومعرفتُنا بقيمة الزمن، ونظرتنا العاليةُ للعمل، وتفانينا في الاتقان، ورغبتُنا الأكيدةُ في التجديد، وصدقُنا في طلب العلم، وانسجامُنا مع مقررات ديننا ... لقد كان كل هذا قائمًا واضحًا يحكمُ مسيرتنا الحياتية، وينظِّمُ كلَّ مفرداتها ... ولا أدري ما الذي أصابَنا فرجعنا وتأخرنا، وتقهقرنا وصرنا عالةً على الآخرين حتى في اللقمةِ التي نأكلها، والثوبِ الذي نلبسه، واللغةِ التي نتفاهمُ بها!!
لا بُدَّ من الاعتراف:
أننا متأخرون كثيرًا.
وجامعاتنا تخرِّجُ أجيالًا مكرورة مُعادة لا تُحسن الابداع والابتكار.
والبحث العلمي عندنا متأخر ولا يُنفق عليه الانفاق المطلوبَ الذي يشجعه ويُخْرِجُه من عزلته المميتة، ونحن حين نقارن الانفاقَ على البحث العلمي في الدول العربية بالانفاق في الدول المتقدمة صناعيًا وتقنيًا نشعر بالخجل والأسف والحيرة، فهل نراجع حساباتنا؟ وهل نعمل جادّين للتغلُّب على معوقات البحث والنهوض والتقدم؟ نأملُ ذلك.
***
س
- هل الأمة الإسلامية مؤهلةٌ في ظل أوضاعنا الحالية لحمل راية التقدم والحضارة من جديد؟
ج:
أقولُ من غير تردُّدٍ ولا تلبّثٍ: نعم، وإنما يبزغ الفجرُ بعد اشتداد الظلام، وكيف يسعُ مسلمًا أن يقول: لا، واللهُ عز وجل يقول: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف:9]. وهذا وعدٌ رباني صريح فلا بد أن يظهرَ هذا الدين وأهله ويقودوا البشرية من جديد.
والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "ليبلُغَنَّ هذا الأمرُ مبلغ الليل و النهار، و لا يترك اللهُ بيتَ مدر و لا وبر إلا أدخله هذا الدين بعزِّ عزيزٍ وبذلِّ ذليلٍ، عزًا يعز الله به الإسلام، و يذلُّ الله به الكفر". رواه أحمد في "المسند" (16998).
والمبشرات في ذلك كثيرة.
وإذا رجعنا إلى الأمة الإسلامية وجدناها لا تشكو مِنْ قلة عددٍ ولا مالٍ ولا كفاءات ولا عقول مبدعة، فقد حباها الله مِنْ ذلك كله الشيءَ الكثيرَ على اختلاف أقطارها.
وكثير مِنْ نهضة الغرب راجع إلى عقول عربية مسلمة في الحاضر والماضي.
نعم إنَّ الأمة الآن تفتقر إلى (إرادة النهوض) مِنْ جديد، فإذا وجدت الإرادة المرتبطة بالاستعانة بالله، والمستهدية بالتوجه القرآني إعدادًا واستعدادًا، وتخطيطًا وتنفيذًا حققتْ عند ذلك ما تطمحُ إليه.
وإنّ لها مٍن تاريخها المجيد، وانجازاتها الرائعة، وتجاربها الغنية ما يُساعِدها على حمل الراية، والوصول إلى الغاية، شريطة أنْ توحِّدَ التلبيةَ، وتجمِّع الألويةَ، وتحرِّر قرارَها، وتصحِّح مسارَها.
وأقول:
إِنّ قومًا بنوا حضارة َ أمسٍ ... وهْيَ حبٌ ورفعةٌ وصلاةُ
سيعودون والإسلامُ نشيدٌ ... يملأ الأفقَ والقلوبُ شداةُ
تتهادى مواكبُ الحبِّ فيهم ... وتَدانى المواكبُ الأشتاتُ
وإنَّ من أشد الدواعي إلى عودة الأمة إلى مكانتها الريادية والقيادية حاجةَ العالمِ المنكوبِ إليها، وإلى ما عندها مِنْ هداياتِ الوحي الأخير، هذه الهدايات الربانية الهادية الكفيلة باستنقاذ الإنسان مِنْ عذابه وآلامه وحيرته وضياعه.
وعلى كل مسلم أنْ يعمل لهذا الهدف النبيل، أينما كان موقعُه.
***


العلم. البحث العلمي. الحضارة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


نعم هو هذا: الأمة الآن تفتقر إلى (إرادة النهوض) مِنْ جديد، فإذا وجدت الإرادة المرتبطة بالاستعانة بالله، والمستهدية بالتوجه القرآني إعدادًا واستعدادًا، وتخطيطًا وتنفيذًا حققتْ عند ذلك ما تطمحُ إليه.