المجاهد إبراهيم رمضان ودوره في نظام جبهة التحرير داخل السجون الفرنسية
عبد المجيد رمضان | Abdelmadjid RAMDANE
09/10/2024 القراءات: 42
منذ بداية الاحتلال الفرنسي في القرن التاسع عشر وحتى نيل الاستقلال في عام 1962، اعتُقل وسُجن الآلاف من الجزائريين الذين قاوموا الاستعمار وزجّ بهم في المحتشدات والمعتقلات والسجون. وكان النضال داخل سجون الاستعمار الفرنسي في الجزائر جزءا محوريًا في تاريخ الجزائر وكفاحها من أجل الاستقلال واستعادة الكرامة والسيادة. فقد واجه المجاهدون والشهداء في تلك السجون ظروفًا قاسية وانتهاكات جسيمة لحقوقهم الإنسانية، بما في ذلك التعذيب والمعاملة اللاإنسانية. ومع ذلك، واصل السجناء نضالهم داخل السجون من خلال تنظيم أشكال مختلفة من المقاومة والتضامن، وسعوا جاهدين للحفاظ على هويتهم ومبادئهم والتزامهم بالثورة والتحرير.
وقصد دعم المجاهدين نفسياً ومعنوياً في مواقع اعتقالهم وللحفاظ على اتصالهم بالثورة، أقامت قيادة جبهة التحرير الوطني نظاما من أجل اختراق الإطار التنظيمي للسجون الفرنسية، وشكلت تنظيما يقوم على أساس هرمي يتسم بالسرية التامة. تولت هذه القيادة تفعيل هذا النظام داخل السجون عبر تأسيس خلايا تتصل بهياكل الجبهة خارج السجون، حيث ركز المناضلون في البداية على تقوية الروابط الأخوية بين المساجين السياسيين ومساجين الحق العام.
حرصت جبهة التحرير الوطني على إنشاء لجنة تعليم في كل سجن من سجون الاستعمار، يشرف على إدارتها المعتقلون الذين يمتلكون معرفة بالعلوم وحفظ القرآن وقواعد الفقه الإسلامي، إضافة إلى إلمامهم باللغة العربية والفرنسية ومعرفتهم بالتاريخ.
كانت الحياة الثقافية والعلمية داخل السجون امتدادًا للنضال والكفاح؛ حيث لم يسمح المثقفون الحاصلون على درجات علمية لأنفسهم بالاستكانة أو الراحة. كانوا مكلفين بتنظيم المعتقلين وفقًا لمستوياتهم التعليمية، ومن ثم الشروع في تعليمهم. هكذا تجند الجميع على غرار الأطباء والصيادلة في إلقاء محاضرات في الطب والإسعافات الأولية، والسياسيون في ترجمة جميع الصحف التي تدخل السجن، والمعلمون في تقديم الدروس والتوجيه الديني. نتيجة لذلك، تحولت السجون إلى مؤسسات تعليمية وثقافية، ومراكزًا لنقل المعرفة والثقافة، حيث تبادل المعتقلون المعرفة والخبرات والتجارب الحياتية، وشكلوا مجتمعًا تعليميًا وثقافيًا نابضًا بالحياة داخل جدران السجون.
يقع سجن بربروس في أعالي القصبة بالعاصمة الجزائرية، وهو شاهد على جرائم فرنسا الاستعمارية. تم فيه تنفيذ أول عملية إعدام بالمقصلة بحق الشهيد أحمد زبانة، كما كتب شاعر الثورة مفدي زكريا من زنزانته رقم 69 أروع قصائد المقاومة، بما في ذلك النشيد الوطني "قسما". كان الشهداء والمجاهدون يعتبرون السجن مكانًا لمواصلة النضال والمواجهة، رغم الإجراءات الصارمة التي فرضتها الإدارة الاستعمارية لقمع الروح الوطنية لديهم.
واستنادا إلى عدد من المراجع التاريخية، فقد اكتشفت قيادة جبهة التحرير الوطني من خلال السجناء القدماء بسجن بربروس روح الحمـاسة لدى المجاهد إبراهيم رمضان الذي زج به خلال شهر ماي من سنة 1960، فتم تعيينه ضمن اللجنة الـمسيِّرة لنظام السجن، إضافة إلى إسهاماته في لجنة التعليم بشرح قواعد اللغة العربية وقراءة ما تيسر له من صحف وكتب، فقام بدور ريادي في التنظيم وفي رفع معنويات الشباب الفدائيين الـمعتقلين يعلِّمهم الوضوء والصلاة ويدربهم على الأناشيد الوطنية، فعندما يُشعَرون بتنفيذ حكم الإعدام على أحد رفقائهم في السجن يقومون باكرا بصيحات الله أكبر، وينشدون جماعيا نشيد الشهداء.
من هو المجاهد إبراهيم رمضان؟
في السياق التاريخي، يواجه الأشخاص الذين يقدمون أنفسهم فداءً للوطن ضد الاستعمار مختلف أشكال المضايقات والملاحقات والاعتقالات والتعذيب والسجن. على نهج هذه التضحية والفداء للوطن، اعتاد إبراهيم رمضان على حياة السجون. منذ عهد الحركة الإصلاحية في الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن العشرين، كان يُعتقل من حين لآخر، حتى سجنه الأخير في سجن بربروس، الذي اتخذه قاعدة لمواصلة نشاطه الثوري والتعليمي.
ولد في مدينة غرداية سنة 1918، بدأ تعليمه في غليزان حيث كان ينشط والده في مجال التجارة. أتمّ تعليمه بمعهد القرارة حافظا للقرآن الكريم، واكتسب مستوى عاليا من التحصيل العلمي، وبمهارات ممتازة في الأدب العربي واستيعابا واسعا في الفقه الإسلامي. التحق بجمعية الإصلاح بغرداية مدرّسا وعضوا في مجلس إدارتها. تم انتدابه مرشدا عاما من الهيئة العليا للإصلاح سنة 1951، تبعا لقدراته ومؤهلاته، حيث ظهرت شخصيته ظهورا قويًّا في المجتمع، فاشتهر بالفصاحة والبراعة في الوعظ والإرشاد. من أوائل الـمؤسسين للحركة الكشفية في الجنوب الجزائري خلال الحقبة الاستعمارية.
كانت له نزعة قوية نحو التكوين النضالي والتوعية الاجتماعية، حيث أسس مع ثلّة من أصحابه مؤسّسة سرية أخذت مسمى "منظمة الجندي المجهول"، تتدارس في قضايا اجتماعية وسياسية لتغيير بعض الأوضاع الراكدة وإثارة النخوة الوطنية في النفوس في مواجهة سياسات الاستعمار الفرنسي التي تستهدف تدمير الإنسان وتقويض هويته الدينية والاجتماعية. كانت السلطات الاستعمارية ترى فيه خطرًا على استقرارها وسيطرتها، فكان يتعرض للاضطهاد والمضايقات المستمرة، وكان محلّ مراقبة دائمة من طرف السّلطات الاستعمارية التي كانت تتلقّى تقارير حول تحرّكاته ونشاطاته، ما عرضه للسجن عدة مرات.
انخرط في صفوف الثورة التحريرية في بداياتها، واعتقل لمدة ستة أشهر مع اثنين من رفقائه سنة 1957. وبعد أن تشكلت منطقة هيكيلية تنظيمية للثورة بمناطق الجنوب، وفقا لقرارات مؤتمر الصومام، ترأس المجلس البلدي للثورة بالـمنطقة الثالثة من الولاية السادسة، وكان سندا قويا لتحركات المجاهدين والفدائيين ماليا ولوجيستيكيا. واعتقل مع رفيق دربه في النضال الحاج إبراهيم داي واعمر، وتم تحويلهما إلى سجن بربروس بعد محاكتهما من طرف المحكمة الدائمة للقوات المسلحة الفرنسية التابعة لمنطقة الشمال الجزائري التي قضت بالحكم عليهما عشر سنوات حبسا نافذا.
المجاهد إبراهيم رمضان، الثورة الجزائرية، جبهة التحرير الوطني، السجون الفرنسية، الجزائر
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة