مدونة الدكتور/ معتز يوسف أحمد أبوعاقلة


"الأخلاق في عصر الحداثة السائلة"

د. معتز يوسف أحمد أبوعاقلة | Dr. Mutaz Yousif Ahmed Abuagla


19/01/2024 القراءات: 144  


اخترنا مقتطفاً من كتاب بعنوان "الأخلاق في عصر الحداثة السائلة" لعالم الاجتماع البولندي زيغمونت باومان:

أي فرصة للأخلاق في عالم استهلاكي معولم؟

إن مفهوم المسؤولية الذي كان في الماضي مرتبطاً بالواجب الأخلاقي والاهتمام بالآخر، ارتبط اليوم بتحقيق الذات، فأصبح الاستثمار في الذات هو مشروع الفرد الوحيد. هنا قامت السوق الاستهلاكية بتجريد مفهوم التكاتف الاجتماعي الذي يعززه الوجود المشترك من قيمته. وإذا كان العلماء في الماضي يرون أن المجتمع بدعة اخترعت لجعل الاجتماع الإنساني المسالم ممكناً لكائنات أنانية بالولادة، فإن الحداثة السائلة جعلت من المجتمع حيلة لجعل الحياة الأنانية قابلة للتحقيق لكائنات أخلاقية بالولادة، وذلك بالحد من المسئوليات تجاه الآخرين.
أصبحنا نعيش في مجتمع معولم من المستهلكين، ومن المحتم أن يؤثر السلوك الاستهلاكي على كل وجوه حياتنا، فالكل اليوم يعيش تحت ضغط أن نستهلك أكثر، وبذلك صرنا سلعًا في أسواق الاستهلاك. حيث يتعرض المرء لقصف متواصل من الإعلانات حتى يقتنعوا بحاجتهم الحتمية لهذه السلع المعلن عنها، ولشراء ما يظنون أنهم يحتاجونه فإنهم يعملون لساعات أطول لكسب مزيد من المال، ولكونهم بعيدين عن أسرهم لتلك الساعات الممتدة فإنهم يعوضون غيابهم هذا بهدايا ثمينة تكلف مزيد من المال، وهو ما أسماه أحد العلماء ب”تمدية الحب”، أي جعل الحب مادياً. أن هذا الانفصال العاطفي والغياب الجسدي عن المنزل يجعل أفراد الأسرة الواحدة غير قادرين على تحمل حتى الخلافات التافهة مما يحتمه العيش تحت سقف واحد. لقد أدى الانشغال بالحصول على مزيد من المال لشراء ما يُظن أنه ضروري لتحقيق السعادة إلى عدم وجود وقت للحوار والتفاهم والمشاركة والتعاطف.
إذن فسيادة المجتمع الاستهلاكي قد أدى إلى أمرين: أولهما ذبول التكافل الإنساني في المجتمعات، والثاني اضمحلال قيم التراحم والتشارك في الأسرة. فالعولمة الاستهلاكية أصبحت تحديا أخلاقياً.

المصدر: زيغمونت باومان، الأخلاق في عصر الحداثة السائلة،ترجمة: سعد البازعي، بثينة الإبراهيم،هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة- مشروع كلمة، 2016.


العولمة الاستهلاكية _ المال


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع