مدونة عبدالحكيم الأنيس


الزائد على "مَن توفي وهو ساجد" (1)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


03/07/2024 القراءات: 273  


لفتَ نظري في أثناء النظر في كتب التاريخ والتراجم ذكرُ العلماء مَنْ توفي وهو يصلي، أو وهو ساجد خاصة، فبدأتُ أقيد مَن أراه مِن غير قصدٍ لذلك، ثم رأيت الأستاذ محمد آل رشيد قد قال: "قد جمعتُ جزءًا فيمن توفي ساجدًا فبلغوا قريبًا من الثلاثين" . وكأنه لم يخرجه إلى الآن.
ثم كتب الشيخ الدكتور محمد إبراهيم الفارسي: "مَن توفي من العلماء وهو ساجد"، وذكر (37) عالمًا، منهم امرأة.
ورأيتُ الآن في النت بعد فراغي من هذا المقال: "إتحاف العابد بتراجم مَن مات وهو ساجد" للدكتور سعود عبدالله الهاجري، وليس فيه تاريخ نشر. وقد ذكرَ (25) علمًا. فحذفتُ من المقال مَن ذكر عنده.
وأخبرني اليوم الدكتور محمد علي حميسان أنه جمع كتابًا في ذلك ينوي تسميته: "إبهاج العابد بذكر مَن مات من الأعلام وهو ساجد".
والسابق إلى هذا الإمام ابن بشكوال (ت: 587):
قال أبو عبدالله الحضرمي المري في كتابه "الفرائد المرويات في فوائد الثلاثيات" (ص: 322): "وقد ألف جزءًا لطيفًا الإمامُ المحدثُ أبو القاسم بن بشكوال فيه مَن أكرمه الله بقبض روحه في حال سجوده، أو في موضع تهجده من العلماء الأخيار والعباد الأبرار".
وهو من علماء القرن السادس، وحصل لهذا لآخرين مِنْ عصره إلى اليوم.
***
وهذه جملة من المتوفين في السجود وهم يصلون ، لم يُذكروا في كتاب الدكتور الفارسي، ولا في كتاب الدكتور الهاجري.
وهناك مَن توفي في الصلاة عامة، ومنهم مَن طعن وهو يصلي، أو في طريقه إلى الصلاة، أو مات وهو ينتظر الصلاة، ومَن كان يرجو أن يموت ساجدًا، ولهؤلاء مقال آخر يذكرُهم بعون الله تعالى.
***
-عبدالله بن سعد بن أبي سرح (ت: 37):
«دلتْ تصرفات عبدالله بن سعد على أنه من زهاد الصحابة. فقد اعتزل الفتنة عقب مقتل الخليفة عثمان، رغم أن عثمان أخوه من الرضاعة، وقد اعتكف في مدينة عسقلان بفلسطين، وظل هناك حتى ‌توفي ‌وهو ‌ساجد في صلاة الفجر. وكان قد دعا الله تعالى أن تكون خاتمة أعماله صلاة الصبح فأجاب الله دعاءه» .
***
-مسعر بن كدام (ت: 152):
روى الخطيب عن مسعر بن كدام قال: "أتيتُ أبا حنيفة في مسجده، فرأيتُه يصلي الغداة، ثم يجلس للناس في العلم إلى أن يصلي الظهر، ثم يجلس إلى العصر، فإذا صلى العصر جلس إلى المغرب، فإذا صلى المغرب جلس إلى أن يصلي العشاء، فقلت في نفسي: هذا الرجل في هذا الشغل متى يفرغ للعبادة؟ لأتعاهدنه الليلة، قال: فتعاهدته، فلما هدأ الناس، خرج إلى المسجد فانتصب للصلاة إلى أن طلع الفجر، ودخل منزله ولبس ثيابه، وخرج إلى المسجد وصلى الغداة، فجلس للناس إلى الظهر، ثم إلى العصر، ثم إلى المغرب، ثم إلى العشاء، فقلت في نفسي: إن الرجل قد تنشط الليلة، لأتعاهدنه الليلة، فتعاهدته، فلما هدأ الناس خرج فانتصب للصلاة، ففعل كفعله في الليلة الأولى، فلما أصبح خرج إلى الصلاة، وفعل كفعله في يوميه، حتى إذا صلى العشاء قلت في نفسي: إن الرجل لينشط الليلة والليلة، لأتعاهدنه الليلة، ففعل كفعله في ليلتيه، فلما أصبح جلس كذلك، فقلت في نفسي: لألزمنه إلى أن يموت أو أموت، قال: فلازمته في مسجده، قال ابن أبي معاذ: فبلغني ‌أن ‌مسعرًا ‌مات ‌في ‌مسجد ‌أبي ‌حنيفة في سجوده» .
***
-نصر بن علي (ت: 256):
روى أبو الحسين المبارك بن عبدالجبار الطيوري عن عبدالله بن محمد بن خيثمة قال: "كنت بالبصرة في صفر سنة ست وخمسين ومئتين، فجاؤوا بكتابٍ لنصر بن علي عهده على القضاء في يوم حضرناه بالغداة فقال: أخروا إلى العشي، فلما خرج إلى صلاة الظهر عاودوه قال: سألتكم إلى العشي وعسى أن يكفي الله، قال: ثم دخل إلى منزله فأخبرني ابنُه أنه صلى ركعتين، وسجد فسأل الله أن يقبضه إليه فمات وهو ساجد رحمه الله" .
***
-محمد بن شجاع بن الثلجي (ت: 266):
قال الذهبي: «فقيه العراق شيخ الحنفية. سمع من إسماعيل بن علية. وتفقه بالحسن بن زياد اللؤلؤي، وصنَّف واشتغل، وهو متروك الحديث، ‌توفي ‌ساجدًا في صلاة الصبح، وله نحو من تسعين سنة» .
***
-الوزير العالم عون الدين ابن هُبيرة الدُّوري (ت: 560):
قال ابن خلكان: «قال مؤلف سيرة الوزير المذكور: إن سبب موته كان بلغمًا ثار بمزاجه وقد خرج مع المستنجد للصيد، فسقي مسهلًا فقصر عن استفراغه، فدخل إلى بغداد يوم الجمعة سادس جمادى الأولى راكبًا متحاملًا إلى المقصورة لصلاة الجمعة فصلى بها وعاد إلى داره، فلما كان وقت صلاة الصبح عاوده الصبح عاوده البلغم، فوقع مغشيًّا عليه، فصرخ الجواري فأفاق فسكتهن، وبلغ الخبرُ ولده عز الدين أبا عبدالله محمدًا، وكان ينوب عنه في الوزارة، فبادر إليه، فلما دخل عليه قال له: قد بعث أستاذ الدار عضد الدين أبو الفرج محمد بن عبدالله بن هبة الله بن المظفر بن رئيس الرؤساء المعروف بابن سلمة جماعة ليستعلم ما هذا الصياح، فتبسم الوزير على ما هو عليه من تلك الحال وأنشد:
وكم شامتٍ بي عند موتي جهالةً … بظلمٍ يسل السيف بعد وفاتي
ولو علم المسكينُ ماذا يناله … من الضر بعدي مات قبل مماتي
ثم تناول مشروبًا فاستفرغ به، ثم استدعى بماء فتوضأ للصلاة وصلى قاعدًا فسجد فأبطأ عن القعود من السجود فحركوه فإذا هو ميت، فطُولع به الإمام المستنجد فأمر بدفنه» .
***
يتبع


الموت في السجود


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع