مدونة حسين سالم مرجين


- أهمية الشعور بالجهل في البحث العلمي

حسين سالم مرجين | Hussein Salem Mrgin


11/09/2023 القراءات: 583  


يعتبر البحث العلمي ركيزة أساسية في تقدم العلوم وتطور المجتمعات، وعندما نتحدث عن البحث العلمي، قد يتبادر لذهن البعض أننا نتحدث عن الذكاء والمعرفة العالية فقط، وهذا الاعتقاد غير دقيق لأننا في المقابل نتحدث عن جانب آخر من البحث العلمي قد يكون مهمًا كما المعرفة والذكاء، وهو الشعور بالجهل، ففي العام 2008 كتب مارتن شوارتز ( Martin Schwartz ) وهو عالم أمريكي بقسم الميكروبيولوجي بجامعة فيرجينيا، مقالة بعنوان " أهمية الغباء في البحث العلمي "، وملخص ما توصل إليه العالم الأمريكي أننا بحاجة إلى الشعور بالغباء لزيادة نسبة التعمّق، والفضول في المجال البحثي، وهو ما أسماه بالغباء المنتج للبحث العلمي .
فـي الحقيقة قد اختلف مع هذا الطرح من حيث الحاجة إلى ضبط المفهوم، فهناك فرقًا بين مفهوم الغباء ومفهوم الجهل؛ فالغباء يُشير إلى قلّة الفطنة، أو الذكاء، أيّ القصور الذهني أو القدرات العقلية المحدودة، في حين يُشير الجهل إلى عدم المعرفة أو عدم الوعي بشيء معين، وهذا يعني أن الفهم الصحيح للمفهومين مهم لفهم الطرح الذي قدمه مارتن شوارتز .
وهنا أجزم بأن مارتن كان يقصد الجهل وليس الغباء، وهو ذلك الشعور أو الإدراك بأننا لا نعرف كل شيء، وأننا قد نكون عرضة للخطأ والقصور في فهمنا، وهذا الشعور أو الإدراك هو المُحفّز نحو زيادة الجهود في البحث والتعمّق في المجال العلمي، وضمان أننا نبقى فضوليين ومستعدين لتحديث وتوسيع معرفتنا، وهذا الأمر بحاجة إلى فطنة وليس إلى قصور ذهني .
ولهذا فإن الاعتراف بالجهل، والاعتراف بأننا لا نعرف كل شيء هو خطوة أساسية في رحلة البحث العلمي كونها تُساعدنا على تجنّب الغرور، والإغماء الذهني وتفتح الأبواب للاستفادة من المعرفة الجديدة والاكتشافات العلمية .
لذا، يُمكننا أن نقول إنه في سياق البحث العلمي، الجهل المُنتج يُشير إلى الشعور بالجهل، أو عدم الاكتمال في المعرفة، وهو ما يُحفّزنا على السعي للمزيد من التعلّم والتحقيق والاكتشاف .
لكن إذا ما عدنا إلى التراث العربي الإسلامي سنجد بأن الإسلام يدعونا إلى أهمية الشعور بعدم اكتمال المعرفة، أيّ الشعور بالجهل، فالكمال لله سبحانه وتعالى، ولعل أهم قصة حول هذا الموضوع ما طرحه القرآن الكريم في سورة الكهف عندما تتحدث عن حوار بين سيدنا موسى ( عليه السلام ) وبني إسرائيل، حيث سأل بني إسرائيل سيدنا موسى عن من هو أعلم الناس، فأجاب سيدنا موسى بأنه هو أعلمهم، ولكن الله تبارك وتعالى أراد أن يُوضح لموسى أن هناك علمًا أعظم من علمه، وأنه يوجد من هو أكثر علمًا منه، فأراد الله تذكير موسى بأن العلم الحقيقي والشامل ينبغي أن يأتي منه، وأنه يجب عليه أن يكون متواضعًا ويدرك أنه ليس لديه علم كل شيء، ولعل أهم درس يُمكن استخلاصه من هذه القصة، هو التواضع والاعتراف بأن الله هو المُعطي الحقيقي للعلم والحكمة، كذلك أهمية أن نكون متواضعين في معرفتنا ويجب علينا أن نسعى لاكتساب المعرفة والعلم، ولكن في الوقت نفسه يجب أن نحترم حقيقة أن هناك دائمًا من هو أكثر علمًا وحكمة منا .
كما أنه إذا ما استعرضنا الأمثال والحكم العربية سوف نجد العديد من الامثال التي تُؤكّد على أهمية الاعتراف بالجهل، والتواضع في مجال العلم، لعل أهمها :
• مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ جَاهِلٌ فَقَدْ عَلِمَ .
• العلم يأتي بالاستفهام .
• من قال أنا عالم فقد جهل .
هذه بعض الأمثال العربية التي تعكس القيم الثقافية المتعمّقة في التواضع والاعتراف بالجهل كمنهج للتعلّم والتطور؛ فالأشخاص الذين يدركون عدم إلمامهم الكامل بموضوع معين يكونون أكثر استعدادًا للبحث والتعلّم، والتطلّع إلى زيادة معرفتهم .
ففـي حياتنا وفي تعلمنا، منذ المرحلة الابتدائية، وحتى الدراسات العليا قليلاً ما نجد أساتذة يعترفون أمامك بأنهم لا يمتلكون إجابات لتساؤلات قد تُطرح عليهم، كما أننا في الوقت نفسه قد لا نتقبّل وجود أساتذة يقولون لك : لا نعلم، أو لا نملك إجابة، بالتالي كثيرًا ما نجد أساتذة لا يعترفوا بعدم معرفتهم أو عدم امتلاكهم إجابات لبعض التساؤلات، وهذا الأمر يرجع إلى الصورة النمطية حول طبيعة الأساتذة كونهم مطلعين على كل شيء، وحاملين للمعرفة الكاملة، والإجابات على جميع التساؤلات، كما أن الضغوط الاجتماعية والتحدّيات التي يُواجهونها كأساتذة ربما تدفعهم إلى المحافظة على تلك الصورة النمطية وعدم الاعتراف بالجهل .
مع ذلك، يجب أن نتذكر أن الاعتراف بالجهل أو عدم امتلاك الإجابات ليست عيبًا، بل هو جزء من البحث والتعلّم، فضلاً عن التواضع والنمو الشخصي .
فـي الواقع، تعتبر الصراحة والاعتراف بالجهل أو القدرة على القول " لا أعلم " علامة قوة عقلية وثقافية فهي تفتح الباب للتعلّم والتطور، وتُعزّز الثقة بين الأفراد، وعمومًا يُمكن رصد عدد من السمات المرتبطة بأهمية الشعور بالجهل في البحث العلمي وهي :
• التواضع واستعداد للتعلّم والتطور .
• الجهل كدافع للبحث والاكتشاف والاستفسار .
• الجهل في بعض الأحيان، يُمكن أن يكون سببًا مباشرًا للإبداع والاكتشافات العلمية الكبرى، حيث رؤية أشياء جديدة والتفكير بطرق مبتكرة، وطرح أسئلة جريئة كل ذلك ربما قد يفتح الأبواب لاكتشافات مبتكرة، وثورات في المجالات العلمية .
• الجهل يقوم بدورٍ مهم في تنمية روح الفريق العلمي؛ فعندما يكون الأعضاء متواضعين ومستعدين للتعلّم من بعضهم البعض، يمكنهم تبادل الأفكار والتعاون في سبيل تحقيق أهدافهم العلمية، وعلى الرغم من أن الجهل قد يبدو كصفة سلبية، إلا أنه يلعب دورًا مهمًا في البحث العلمي .
وختامُا، يُمكننا القول إن الاستفادة الكاملة من الشعور بالجهل في البحث العلمي تتطلب تعزيز التواضع والاعتراف بالجهل، وتشجيع الاستفسار والاستكشاف، وتنمية روح الفريق والتعاون، وتشجيع الإبداع والتفكير المبتكر وتدعيم ثقافة المشاركة والتبادل في المعرفة العلمية، وتوفير الدعم المالي والبنية التحتية اللازمة، وتعزيز البحث العلمي وتشجيع الطلبة والباحثين على الانخراط فيه .


منهجية البحث العلمي- المعرفة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع